أما الرواقية التي أسسها الفيلسوف السوري زينون الكتيومي Zeno of Citium (334 -262 ق . م) فأتباعها يذهبون إلى أن النفس مبثوثة في الأرض انبثاثاً باطنياً أو مباطناً للحيوات من نبات وحيوان و تتوقّل النفس صُعًداً عند الرواقيين فهي في الجمادات تحفظ أوضاعها وفي النباتات تكون بالنسبة لها مبدأ يقوم بتنميتها وتغذيتها . وفي الحيوان هي مبدأ الإحساس والحركة . ويقول الرواقيون بان للإنسان نفساً متصلة بجسمه وهذا الاتصال عينه يثبت أن النّفس مثلها مثل الجسم أي هي أيضاً جسم لأنه لولا ذلك لما قُيّض الاتصال . وهي مبدأ الحياة عند الإنسان وكذا الحركة والتفكير , فالنَفْس نَفَسٌ حار متحرك عاقل . ” والنفس كالجسم تحيا وتموت : فإذا مات الإنسان فارقت النفس البدن ولكنها تبقى بعد فنائه حتى يحترق تبقى بعد فنائه حتى يحترق العالم ” . فالرواقيون يقولون باحتراق أخير ينهي العالم . ويروي ذيو جانس اللائرسي أن الرواقي كليانتس يؤكد أن نفوس البشر أجمعين تبقى بعد الموت حتى الاحتراق العام الأخير . ولكن الرواقي الآخر كروسبوس رفض بقاء نفوس البشر واختص منها نفوس الحكماء فقط ” والنفس الإنسانية تنتظم ثمانية أجزاء, لكل جزء مكانته ووظيفته : فخمسة أجزاء للحواس , وجزء للتناسل , وجزء للنطق والتفكير , وجزء للرياسة والتدبير , وهذا الجزء الرئيس أو المدبّر هو أهم أجزاء النفس , قد انتشرت حوله الجزاء السبعة الأخرى كما تنتشر حول العنكبوت نسيجه والجزء الرئيس مكانه الرأس عند بعض أصحاب الرواق , والقلب عند الأخر . هو متصل بأعضاء الحواس وأعضاء الصوت وأعضاء التناسل . فهو إذن مصدر أفكارنا وإحساساتنا : هو إنيتا التي هي مصدر شعورنا ووجداننا “.
وبالجملة , يؤكد الرواقيون أن كل جنين يأتي إلى الكون خلواً من أية معارف وإنما يكتسب معارفه بالتجربة وتتدخل الفطرة أيضاً وتجدر الإشارة إلى أن أراء الرواقيين في جملتها تصدر عن اعتقادهم بوحدة الوجود .
من كتاب ” مقالة مختصرة في النفس البشرية ” تصنيف الأب العارف بالله العلامة غريغوريوس أي الفرج بن هرون الطبيب . تقديم وضبط وتعليق : علي محمد إسبر