°
, April 16, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

سورية والرجل الياباني

لنفترض أن رجلاً في اليابان أو في الهند لا يعرف شيئاً عن الشرق الأوسط، وقرأ مصادفة هذا الخبر: “أقدمت الحكومة السورية على مبادلة 2200 سجين من رعاياها بـ49 من الرعايا الإيرانيين الذين كانوا معتقلين في سورية”. البديهي والذي لا يقبل مجالاً للشك بالنسبة إلى هذا الرجل هو أن السجناء السوريين المفرج عنهم كانوا في السجون الإيرانية وان سلطات بلدهم فاوضت لإطلاقهم في مقابل إفراجها عن 49 إيرانياً كانت تحتجزهم. لكن هل سيصدق هذا الرجل الياباني أو الهندي أن الـ2200 سجين سوري كانوا في سجن سوري وان الحكومة السورية أفرجت عنهم من أجل تحرير 49 إيرانياً؟ لن يصدق هذا الرجل الأمر، لا بل إن عاقلاً على سطح المعمورة لن يُصدقه.

علينا دائماً أن نُكرر الواقعة في ذهننا في سبيل تقريب ما جرى إلى منطقة الممكن في وعينا. أطلقت الحكومة السورية 2200 معتقل من غير الخطرين وغير المحكومين في مقابل إطلاق 49 إيرانياً كانت تحتجزهم المعارضة. علينا أن نبقى نكرر ذلك ليصبح ممكناً. لا بل علينا أن نقول ربما: “اختطفت الحكومة السورية 2200 سوري بهدف مبادلتهم بـ49 إيرانياً كانوا مختطفين في سورية”. هذه أغرب عملية تبادل أسرى في التاريخ البشري من دون شك. لقد سجل النظام السوري سابقة في التاريخ يمكن أن يجعلها “لوغو” حربه على “الإرهاب”.

ما عزز من ذهول الرجل الياباني الذي قرأ الخبر ولم يُصدقه، هو ما شاهده من صور للسوريين المفرج عنهم في عملية التبادل، ذاك أن الرجل، ولكي يُصدق ما قرأ، قرر أن يُشغل محرك البحث “غوغل” ليتابع ما جرى، وهو لا يجيد اللغة العربية، فقرر أن يستعين بالصور. وجوه المفرج عنهم لم تحمل إليه ملامح معارضين قُساة، أو خارجين على النظام، أو سياسيين مخضرمين في السجون. فتية وفتيات ضعفاء بعد قضائهم أشهراً في سجون لم يعهدوها. أجسام أنهكها الاعتقال والاختفاء.

أنهم مختطفون بحسب ما شاهد في صورهم أثناء استقبال أهلهم لهم. الرجل الياباني لا يجيد العربية، ولم يقرأ قصة ذلك الشاب من بينهم والذي قال لوالدته التي استقبلته بعد الإفراج عنه: “اتركيني لوحدي، أنا مرهق كثيراً وأريد أن أرتاح”… وجلس في زاوية الغرفة لوحده ومات. كما أن الرجل الياباني الذي لا يعرف شيئاً عن الشرق الأوسط لم يُلاحظ من صور المُفرج عنهم أنهم ليسوا من “جبهة النصرة” على ما يتهم النظام المعارضة، إذ إن بينهم شابات غير محجبات، وشباباً عانقوا صديقات لهم في لحظة الإفراج عنهم.

ما تتيحه صور المفرج عنهم من أسئلة لرجل ياباني لا يعرف سورية ولا يعرف الشرق الأوسط يتمثل في حيرة في أسباب وجود فتية يافعين في سجن حكومتهم، وحيرة حول الرقم الهائل للمساجين غير الخطرين والذين من السهل مبادلتهم. لم يعرف الرجل أن في المعتقلات السورية عشرات أضعاف عدد المفرج عنهم في الصفقة الأخيرة. أذهله رقم 2200 سجين فقط.

أما الذهول الأكبر فيبقى أن حكومة اختطفت رعاياها وبادلتهم برعايا دولة أخرى.

حازم الأمين – صحيفة الحياة