°
, April 19, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

‘كتاب الحكمة’ للفيلسوف أوشو: كيف نكون حقيقيين – د.هيفاء بيطار

    لا أنكر أن عنوان الكتاب استفزني، فالحكمة تبدو ملغاة في عصر الجنون والإجرام، فماذا يمكن أن يقدم لك كتاب موضوعه الحكمة؟ ولأن الكاتب الفيلسوف أوشو الذي يجمع بين صفتين نادراً ما تجتمعان في شخص واحد وهما البساطة والعمق، فقد قرأت الكتاب في يوم واحد دون مبالغة بافتتان، وأظن أن كتاب الحكمة هو أهم إنجازات أوشو من بين كتبه كلها.

كتاب الحكمة لأوشو صرخة حق مزلزلة قبل فوات الأوان

يقول أوشو في كتابه “كتاب الحكمة” الصادر عن دار الحوار بسوريا بترجمة مميزة لمتيم الضايع “يتميز القرن العشرون بوجود أكبر عدد من الناس الذين يتساءلون عن معنى الحياة؟

ولماذا نستمر في هذا العيش القاسي والعنف والقتل والمجازر والحروب الأهلية التي تتكاثر في العالم؟” فقد أصبح إنسان اليوم خائفاً من الحياة، أكثر بكثير من خوفه من الموت. أصبح وجوده في حدّ ذاته يخيفه، إذ كيف عليه أن يتكيف مع حياة بتلك القسوة والوحشية؟

لكن طبيب النفوس المعذبة يعلمنا كيف نحوّل النقمة إلى نعمة ويبين لنا أن “كل سلبية يقابلها شيء إيجابي أيضا”، وبأن القوتين التدميرية والإبداعية ليستا شيئين مختلفين، بل هما وجهان للطاقة نفسها، وبأن كلمة الشر باللغة الإنكليزية حين تعكس حروفها تصبح الحياة.

يعلمنا أوشو أن وجودنا مرتبط بالكون، وبأن علينا أن نبدأ بتأمل أنفسنا ومشاعرنا، إننا لا نعرف أنفسنا بل نسعى إلى أن نكون كما يريد منا الآخرون، أصبح إنسان اليوم لا يشعر بالسعادة إلا بمقدار رضا الآخرين عنه.

وبناء المجتمعات الإنسانية مُؤسس على نوع من التنويم المغناطيسي، فبناؤه قائم على روبوتات وليس على بشر، فقدر البشرية أن تهبط من مستوى الإنسان إلى مستوى الرعاع، إذ يتحرك المجتمع وفق سياسة مدروسة بدقة وهي السيطرة على روح الإنسان الفرد، وأساس تربية الطفل تقوم على زعزعة ثقته بذاته وجعله مرتبطاً كلياً بآخر يقوده ويوجهه ويعلمه ميوله ويرسم له حياته.

يمكن للمجتمع أن يدمر روح الطفل مع إمكانية جعله رئيسا للوزراء. لأن غاية المجتمع الرئيسية هي السيطرة، وحين تتم السيطرة على روح الشخص فإنك تجعله متردداً وخائفاً مدى حياته وبحاجة لمن يقوده ويتخذ القرارات بدلاً عنه، إلى الحد أن البعض يرغبون في أن يكونوا مضطهدين ويتوقون إلى طاغية، وإلا لما تمكن أشخاص محدودي الذكاء مثل هتلر وموسوليني وماوتسي تونغ أن يقودوا العالم.

لكن ثمة أمل بالتحرر من هيمنه المجتمع الطاغية ومن هيمنه القوى العظمى التي تتحكم بالعالم وبمصير البشرية، الأمل يكمن في ذاتنا الحُرة، يقول أوشو: كُن ولا تحاول أن تُصبح… ليس عليك أن تصبح أحدا آخر، أنت سلفاً كما أنت، أوقف مطاردة الخيالات، اجلس بصمت وكن ذاتك.

كم من الأشخاص يتقبلون ذواتهم ويتحررون من هيمنة المجتمع لجعلهم أشخاصاً وفق مواصفات معينة؟ من يريد أن يتعلم فن الحياة عليه أن يتقبل أن يكون غير مستقر، وأن ينسجم مع عدم استقراره، لأن الاستقرار هو السكون، والسكون حالة سلبية، السكون هو البلادة والموت، حالة من اللاأمل حيث لا يوجد ما تنتظره.

لقد مارس بوذا التأمل لسنوات، حتى وصل إلى حالة الاستنارة، وهي المصالحة مع العالم، يُقال إن بوذا أينما كان يتحرك، كانت الأشجار تُزهر قبل أوانها، لأنه امتلك جوهر الحياة الذي هو كينونة الإنسان المرتبطة بكينونة الكون. علينا أن نسير باتجاه ذاتنا، أن نحقق ذاتنا كما نحن وألا نخشى ذاتنا، الناس يتكلمون كثيرا “ويكثرون من الكلام لأنه يشغلهم عن تأمل ذاتهم، عن حقيقة وجودهم”. يعلمنا أوشو فن الحكمة بأن نكون حقيقيين وغير مزيفين، يقول: ليست الكراهية هي نقيض للحب، بل الحب الزائف هو نقيضه، وليس الغضب هو عكس التعاطف، بل التعاطف المصطنع هو نقيضه، الابتسامات التي لا تخرج من القلب والتي لا تحمل أي شعور هي ابتسامات زائفة. الإنسان الزائف يخشى أن يقترب منه أحد، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه بشكل صميمي، لأن الصميمية تسمح للآخر برؤية الأعماق، وهو لا يريد لأحد أن يرى أعماقه المُزيفة، إن كنت مزيفاً سوف تعيش تعيساً حتى لو كنت مشهوراً وتحت الأضواء. يعلمنا أوشو أن نكون مثل المرآة، المرآة تعكس لكنها لا تتأثر، لا ينطبع أي شيء عليها.

العالم مُقدم على انتحار كوني إن استمرّ في العيش بهذه الطريقة. فغياب الحكمة يحوّلنا إلى أموات على قيد الحياة. كتاب الحكمة لأوشو صرخة حق مزلزلة قبل فوات الأوان، إنه دعوة لكل إنسان أن ينتبه أن النور بداخله، وأننا لا نزال نملك الفرصة لنستيقظ من أوهامنا ونرمم الخراب حولنا وداخلنا.

المصدر :العرب هيفاء بيطار [نُشر في 29/05/2015، العدد: 9932، ص(15)]

http://www.alarab.co.uk