°
, March 28, 2024 in
آخر الأخبار
الشــيخ صالح العلي

إلى السيدة الفاضلة حفيظة ابنة المجاهد صالح العلي – وفاء المقهور كاتبي

إلى السيدة الفاضلة حفيظة ابنة المجاهد صالح العلي

..

كانت تقوم إلى كتابها مع كل صباح، تسابق الشمس في استيقاظها وتروح تتلو على نفسها بضع سور وآيات من ذكر الله الحكيم..

وعندما تنتهي، ترفع الكتاب تقبله..

وتركنه قرب سريرها وتقول: «الحمد الله»..

ثم تخرج إلى حديقتها تتفقد شتولها وأزهارها..

تسقيها، تداعبها وتشمها وتقول: «الحمد الله».

هكذا هي..

تستقبل الحياة مع كل يوم..

لم تقدر السنون الثمانون وأكثر أن تحني هامتها وكبرياءها…

ولا هموم الأيام أن تنال من أنوثة قلبها وفيض عاطفتها…

ولا مصائب القدر أن تطفئ نباهة ورجاحة عقلها…

إنها السيدة المجاهدة حفيظة صالح العلي رحمها الله.

«تجذبك بحديثها..

وتدرك منذ اللحظة الأولى إنك أمام امرأة قل مثيلها خاصة في هذه الأيام» هذا ما قاله لي زوجي عندما حدثني عنها..

مما دفعني إلى لقائها والتعرف إليها بفعل صداقتنا لابنها الرفيق عيسى إبراهيم…

واذكر أنه في اللقاء الأول لنا سألت: «أين أصبح العمل بمدينة حسيا الصناعية» كون هذه المنشأة تقع على طريقنا إلى جبلة من جهة دمشق عند مدخل مدينة حمص الجنوبي…

ثم راحت تحدثنا عن أهمية التنظيم المدني ومردوده المالي والسياحي والبيئي والاجتماعي والنفسي على الوطن..

لقد فاجأني حديثها هذا المتسلسل بالمنطق والحجة وهذا الاهتمام كوني أعتقد كما غيري من الناس بان هكذا مواضيع قد لا تدخل في دائرة اهتمام النساء بشكل عام وخاصة أن محدثتك هي امرأة قفزت إلى العقد الثامن من عمرها..

فصرت أشغف إلى لقائها كلما سنحت لي الفرصة أنا وعائلتي في بيتها الريفي في مدينة جبلة وآنس إلى حديثها ولهجتها الجبلية القروية التي ما بدلتها أبدا…

وهذا ما سمح لي بمراقبة حياة تلك السيدة العظيمة المجاهدة المتواضعة عن كل ما هو أبهة وزخرفات في الحياة..

لقد بقيت حتى اللحظة الأخيرة لا ترضى إلا أن تلقم زوجها الطعام بيدها، وكأنه طفلها المدلل الوحيد فما سمعتها يوما إلا وتقول له: «يا عيني..

يا تقبرني…» ولا تفضل إلا أن تخدمه هي وليس أحد غيرها..

رغم مرضها وتعبها..

لقد كانت ربة بيت مميزة لأنها ربيبة بيت مميز في العراقة والنضال والجهاد.

فهي بما حملت من إرث والدها الأخلاقي العظيم – الشيخ المجاهد صالح العلي أحد قادة الثورة السورية الكبرى ضد المحتلين – قدرت على جعل بيتها محجة للكثيرين من أبناء قريتها (الشيخ بدر) أو للقاصدين في طلب استشارة من خبيرة حكيمة في فكرها ووعيها الوطني…

فنادرا ما كان يفرغ منزلها من الضيوف الذين هم بنظرها أصحاب البيت ومن المعروف إن المجاهد صالح العلي لم يخلّف ذكوراً لكن السيدة حفيظة حملت الراية بعده وكانت تساوي بحق سبعة رجال كما يقال بالعامية…

تأنس إلى حديثها الغني بالحكمة والمودة وتعرف انك أمام امرأة مجبولة من طينة غنية بالثقافة بالعلم بالعنفوان بالكبرياء بالمعرفة المعمقة لمفهوم الحياة الاجتماعية والسياسية إن كان في سورية أو في العالم..

وتخبرك كيف عاشت بمرارة مأساة احتلال فلسطين وبان جلّ ما تحلم به هو الحج إلى القدس وبيت لحم فتلمح في عينيها بريق الفرح بقرب الساعة لتحقيق ذلك…

وكذلك آلمها احتلال العراق وسرقة تاريخه الحضاري العمراني الثقافي والقيمي فهي لا تنسلخ عن واقع ما يدور حولها ولها فيه رأي وموقف..

تخونك رقة العود في جسمها لتجد نفسك أمام امرأة صلبة الإرادة والموقف عند الحق…

فلا تسمع منها إلا صوتا هادئا لا تحس الحزن فيه إلا إذا كانت السيرة عن ابنها الذي توفي قبل أعوام قليلة فهي لم تبكه لأنه القدر..

لكن سرعان ما تقفز الدمعة إلى عينيها عندما تذكر ضياع ارث والدها وعدم إيفائه حقه..

ورغم ذلك لا تسمع في حديثها كلمة تأفف واحدة أو كلمة يا ليت…

اعتذر منك سيدتي…

فأنا ما قدرت أن أفيك الواجب والحق..

لقد عزّ عليّ أن ألا اسمع صوتك وأنا أبادلك المعايدة عبر الهاتف بعيد الأم هذا العام..

اعتذر منك سيدتي لأني مهما قلت فيك أعجز عن الشمول..

فأنت السر الذي باح به الأمل..

أمل المجاهد صالح العلي…

فنامي هنيئا لان رايتك مرفوعة وبيد أمينة يد ابنك المحامي عيسى إبراهيم وهو جدير بذلك…

فإليك…

إليك سيدتي كل العيد…

كل باقات العيد…

وكل عام وقناديلك مضاءة..

كل عام وشتولك مزهرة مخضرة..

كل عام وأريجك الجبلي عابق في كل زاوية من أرجاء الوطن وسأبقى دائما بشوق إلى مجلسك..

والى حديثك…

والى لهجتك الجبلية..

وكل عام وأنت بخير.

 

وفاء المقهور كاتبي . لبنان  .  الملحق  الفكري  في جريدة الديار اللبنانية 12 نيسان 2010 . العدد .  7631 .