°
, March 29, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

ياسين الحافظ معاصراً: سيرة ذاتية فكرية سياسية – جاد الكريم الجباعي

سيرة شخصية

وُلد ياسين الحافظ في أسرة متوسطة الحال، في مدينة دير الزور الواقعة على نهر الفرات، شرقيّ سورية حيث يتحاور الماء والجفاف، والليونة والقسوة. أبوه حكمت الحافظ “عربي مسلم سوري”، كما كان يعرِّف نفسه ويريد لابنه ياسين أن يعرِّف نفسه، من فخذ البوكسَّار، أحد أفخاذ عشيرة البقَّارة التي يدعي أفرادها أنهم حسينيون؛ أي من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب. وأمّه أرمنية مسيحية من اللاتي نجون من مذبحة الأرمن، عام 1915، ولُذْن بالعشائر العربية التي حَمَتْهن وزوجتهنّ وظللن على مسيحيتهن. وكانت الكنائس تتولى شؤون الناجيات والناجين الآخرين. تزوجها حكمت الحافظ، وهي فتاة صغيرة دون السادسة عشرة سنةً، عندما كان مقيمًا لدى عشيرة المهيد، عاملًا في صيانة الأسلحة، وأنجب منها عشرة بطون لم يتبقَّ منهم سوى ياسين وسيف.

كانت دير الزور في ذلك الحين، قريةً كبيرةً، حياتها رتيبة، قوامها علاقات كثيفة بين الأقارب وعلاقات أقلّ كثافةً بين الأصدقاء. وكانت تكسر رتابتها، بين الحين والآخر، منازعات عشائرية (هُوسات)  تُعزّز الوعي العشائري. وكان يمازجها عالم ذكوري معتدٌّ بفُتوَّته، وبقيم من الشجاعة والإقدام ربَّما كانت بقايا من قِيَم الفروسية والغزو (كان ياسين معجبًا بالروح الغازيَة، وقوَّة الإرادة، وهكذا شبَّه الروح اللينينية، في إحدى مقالاته بجريدة الثورة العربية التي كان يصدرها حزب العمال الثوري العربي). ويبدو أنّ ياسين الفتى كان يفرُّ من هذه الرتابة إلى الكتب، فيعيش دهشة المعرفة التي تشبه دهشته حين صحبه أخوه الأكبر إلى مدينة حلب، ورأى عالمًا آخر مختلفًا، سيجذبه إليه ماديًّا وروحيًّا.

تلقى تعليمه الأوَّل في كتَّاب الشيخ ملا غفور، ثمّ في مدرسة السريان الأرثوذكس، ثمّ في مدرسة هنانو حيث أنهى تعليمه الابتدائي ونال الشهادة الابتدائية (السرتفيكا)، وانتقل منها إلى “تجهيز الفرات”؛ وهي المدرسة التي أسَّسها العثمانيون عام 1910 (كانت تسمى “المكتب السلطاني”)  ووسَّعها الفرنسيون عام 1920 لتضم طلاب المرحلتين: الإعدادية والثانوية. وكانت هذه المدرسة مسرحًا للنشاط السياسي المناهض للمستعمرين، تتردد فيها الأناشيد الوطنية، وتنطلق منها التظاهرات. ثمّ إنّها ازدادت توسّعًا عام 1940، وهي لا تزال قائمةً إلى اليوم. وقد بدأت تظهر أولى اهتمامات الحافظ الثقافية والسياسية؛ من خلال مشاركته في التظاهرات والنشاط المدرسي، وفي جريدة الحائط المدرسية، إلى جانب مشاركته في الفرقة الكشفية والنادي الثقافي العربي. ولئن لم يكن متفوقًا في دراسته، فقد كان شغوفًا بالمطالعة؛ إذ قرأ جُلّ الكتب التي احتوتها مكتبة النادي الثقافي.

تُوفيت أمه عام 1946 وقد بلغ عمرها خمسةً وثلاثين عامًا، فتزوج أبوه أرملةً لا تنجب، ثمّ أصيب بمرض السلّ؛ فاضطر ياسين إلى ترك الدراسة وهو في نهاية الصف العاشر، وعمل معلمًا وكيلًا في قرية الحروجية التي تبعد عن دير الزور نحو أربعين كيلومترًا، ثمّ في قرية ذبيان، ثمّ في مدينة الميادين فدير الزور. وفي هذه الأثناء أجرى امتحان الشهادة الثانوية، وحصل على هذه الشهادة، والتحق بكلية الحقوق في الجامعة السورية بدمشق، وكان قد انتسب إلى حزب البعث عام 1949، وانفصل عنه عام 1950.

لم يستطع الحافظ تحمُّل نفقات دراسته الجامعية، مع أنه “حصل على منحة قدرها خمسة وعشرون ليرةً سوريةً، بقرار من رئيس الجامعة، قسطنطين زريق”، فآثر أن يؤدِّي الخدمة الإلزامية، وأتمّ دراسة الحقوق وهو مرشّح ضابطًا في الجيش. وبعد تخرجه في الجامعة وإنهاء الخدمة الإلزامية، عمل محاميًا في مكتب أحد أقربائه من آل الشيخ عطية بدير الزور، وكان قد انتسب إلى الحزب الشيوعي عام 1955. وعندما دُعِيَ إلى الخدمة العسكرية الاحتياطية عام 1956، التقى إلياس مرقص الذي كان يؤدِّي الخدمة الإلزامية ضابطًا مجندًا في “مجلة الجندي” بحلب، وكان مرقص (وهو من اللاذقية) عضوًا في الحزب الشيوعي، وصار هو والحافظ صديقين حتى فرَّقهما الموت.

لم يحبَّ الحافظ مهنة المحاماة، فانتقل إلى دمشق وعمل موظفًا في وزارة الشؤون الاجتماعية التي أُنشئت في عهد الوحدة بين مصر وسورية. وفي هذه الأثناء تزوج فتاةً دمشقيةً هي سلوى الحموي، وأنجب منها ولدًا وبنتين، ثمّ اعتُقل بسبب رأيه عام 1966. وبعد إخلاء سبيله انتقل إلى بيروت، فباريس، ثم إلى بيروت إثر هزيمة حزيران/ يونيو 1967، وعاش فيها حتى وافته المنية يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1978.

هذا الفاصل القصير بين الحياة والموت قد يسمح بتحقيبٍ يساعدنا على فهْم سيرورة تشكّل شخصية الحافظ فكريًّا وسياسيًّا وأخلاقيًا، وكيفية تموضعها في النسيج النصي من جهة، وفي الحياة العملية من جهة أخرى، على أنّنا نرى أنّ فترة حياته هي النص الأصلي. ولنا أن نستفيد، في الآن نفسِه، من النصوص المكتوبة في مقاربة تلك الشخصية من زوايا نظرٍ مختلفة، لا ترينا كلّ واحدة منها سوى جانب واحد من شخصيته وتجربته.

 

جاد الكريم الجباعي

​سياسي وكاتب سوري، شارك في الحياة السياسية السورية معارضًا لنظام البعث منذ عام 1963، في إطار حركة الوحدويين الاشتراكيين، ثم الاتحاد الاشتراكي العربي المعارض، ثم في حزب العمال الثوري العربي، وكان أحد أعضاء قيادته ومكتبه السياسي ومكتبه الثقافي. أسهم في تأسيس لجان إحياء المجتمع المدني، وجمعية حقوق الإنسان في سوريا، ومنتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي.
حاصل على الإجازة في علوم اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق (1969). عمل مدرسًا للغة العربية، ثم مدققًا لغويًا ومحررًا في هيئة الموسوعة العربية بدمشق، وكتب عددًا من البحوث في الموسوعة العربية، التي أصدرتها الهيئة.
وشارك في عدد من الندوات والمؤتمرات الثقافية والعلمية. وكتب في نقد التجربة الحزبية والأحزاب الأيديولوجية (العقائدية). مهتم بالفكر السياسي وحقوق الإنسان.
نشر عشرات المقالات في صحف عربية، وعددًا من الأبحاث والدراسات في مجلات عربية، بعضها مجلات محكمة. كما نشر اثني عشر كتابًا منها “جدلية المعرفة والسياسة، حوار مع الياس مرقص” و”المجتمع المدني هوية الاختلاف” و”قضايا النهضة” و”طريق إلى الديمقراطية” و”وردة في صليب الحاضر، نحو عقد اجتماعي جديد وعروبة ديمقراطية” و”أطياف الأيديولوجية العربية” و”من الرعوية إلى المواطنة“؛ إضافة إلى عدد من الكتب المشتركة مع آخرين وعدد من المخطوطات التي تنتظر النشر. كما حرر “موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر“.

 

المصدر :