°
, April 25, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

دون جوان في قبر الجسديات

دون جوان في قبر الجسديات

ودقيقة تتراوح بين تأثيرات الجمال وأحلام الحب لهي أسمى وأثمن من جيل ملأه المجد الذي يمنحه الضعيف المسكين للقوي الطامع . من تلك الدقيقة تنبثق ألوهية الإنسان وفي ذاك الجيل تنام نوما عميقا مكتنفة بواقع أحلام مزعجة . في تلك الدقيقة تتحرر النفس من أعباء شرائع الإنسان المتباينة . وفي ذاك الجيل تحبس وراء جدران الإهمال مثقلة بقيود الظلم . تلك الدقيقة كانت مهد نشيد سليمان وموعظة الجبل وتائية الفارض . وذاك الجيل كان القوة العمياء التي تقدمت هياكل بعلبك ودكت مباني تدمر وسحقت بروج بابل .

ويوم صرفته النفس آسفة على موت حقوق الفقير متأوهة على فقدان العدل لهو أجل وأفضل من عمر يضيعه الإنسان مسرورا على مائدة الشهوات مستسلما لقضاء الأنانية . ذاك يوم يطهر القلب بناره ويفعمه بنوره وذاك عمر يخيم عليه بجنحه يلحده بطبقات التراب ذاك يوم كان يوم العبر ويوم الجلجلة ويوم الهجرة وذا عمر أنفقه نيرون في سوق المظالم ووقفه قارون على مذبح المطامع وطمره دون جوان في قبر الجسديات .

وهذه الحياة – تمثلها الليالي على مرسح الدهر نظير مأساة وتنشدها الأيام كأغنية وفي النهاية تحفظها الأبدية كجوهرة .

جبران خليل جبران . المهاجر 26 تموز 1905