طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
عبد الرحمن الكواكبي
….”ويقررون أن هذا التشاكل بين القوتين ينجرّ بعوام البشر وهم السواد الأعظم إلى نقطة أن يلتبس عليهم الفرق بين الإله المعبود بحق وبين المستبد المطاع بالقهر ،فيختلطان في مضيق أذهانهم من حيث التشابه في استحقاق مزيد التعظيم ، والرفعة عن السؤال وعدم المؤاخذة على الأفعال ، بناء عليه لا يرون لأنفسهم حقاً في مراقبة المستبد لانتفاء النسبة بين عظمته ودناءتهم ، وبعبارة أخرى يجد العوام معبودهم وجبّارهم مشتركين في كثير من الحالات والأسماء والصفات، وهم هم ، ليس من شأنهم أن يفرقوا مثلاً بين (الفعّال المطلق) والحاكم بأمره ، وبين (لا يسأل عما يفعل) وغير مسؤول ، وبين ) المنعم ) وولي النعم ، وبين (جل شأنه) وجليل الشأن. بناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم لله ، ويزيدون تعظيمهم على التعظيم لله لأنه حليم كريم ولأن عذابه آجل غائب، وأما انتقام الجبار فعاجل حاضر.”
” …….من الأمور المقررة طبيعةً وتاريخياً أنه ما من حكومة عادلة تأمن المسؤولية والمؤاخذة بسبب غفلة الأمة أو التمكن من إغفالها إلا وتسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد، وبعد أن تتمكن فيه لا تتركه وفي خدمتها إحدى الوسيلتين العظيمتين: جهالة الأمة ، والجنود المنظمة” .
“…….. ولو ملك الفقهاء حرية النظر لخرجوا من الاختلاف في تعريف المساكين الذين جعل لهم الله نصيباً من الزكاة فقالوا: هم عبيد الاستبداد، ولجعلوا كفّارات فك الرقاب تشمل هذا الرقّ الأكبر .”
+ المفكر الإصلاحي السوري عبد الرحمن الكواكبي . من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد .