°
, March 29, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

سيكولوجية الصورة الايجابية للمؤسسة . د. نزار ميهوب

الصورة الذهنية

إن تكوين صورة إيجابية للمؤسسة عمل من أهم أعمال العلاقات العامة , فالمؤسسة الحديثة , التي تعمل لتحقيق أهداف ملموسة , تقوم بعملها في ظروف تعاون وعلاقات متبادلة , وفي محيط تجد فيه مصالح

مختلفة اقتصادية وسياسية وقانونية واجتماعية وغيرها . إضافة إلى ذلك تقع المؤسسة دائماً تحت تأثيرات مختلفة كثيرة تؤثر دون شك في نشاطها وقراراتها المتخذة . وتنظيم هذا التعاون المعقد هو أهم الوظائف التي تسهم في نجاح عمل المؤسسة .

 

غير أن الصورة الايجابية , التي هي نتاج فعاليات ونشاطات المؤسسة كلها , من جهة وعلاقاتها بمحيطها من جهة أخرى , يتطلب من المؤسسة أن تمد يدها إلى المجتمع ومجموعات الضغط ” اللوبي ” . وتسعى إلى تعزيز هذا الأمر باستمرار . لذلك ليس عبثاً أن تقوم إحدى أهم قواعد الدعاية على المبدأ الآتي :

قبل أن تبدأ بالعمل الدعائي . أعر صورتك الذهني اهتماماً خاصاً , وهذه ترتكز على مقومات لا تستطيع الدعاية أن تخلقها , وإن امتلكت القدرة على التأثير فيها إيجاباً أو سلباً . وكما تُظهر التجربة , يمكن للعلاقات العامة والعمل الإعلاني تكوين صورة ذهنية إيجابية , ويمكن أن يكونا أكثر فاعلية إذا استندا لإلى فهم الطابع السيكولوجي لهذه العملية , لذلك سنتوقف عند هذه المسالة .

لقد أصبحت عبارة ” الصورة الذهنية ” متداولة ومعروفة في حياتنا اليومية , على الرغم من حداثة التركيب الاصطلاحي في حياتنا العامة . ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا : إن ذلك رافق انتشار مهنة العلاقات العامة في عالم الأعمال والمجتمع , فقد حل المصطلح الجديد محل المصطلح القديم , ” شخصية المؤسسة ” التي حلت محلها عبارة ” الصورة الذهنية ” للمؤسسة باستحقاق , فالصورة الذهنية أكثر بقاء لأنها نتاج التجربة الذاتية وليست قولاً على قول .

وإذا كان ثمة عمل على الشخصية الفردية تضطلع بع العلاقات العامة , فهو العمل في الحملات الانتخابية .إلا أن عمل العلاقات العامة على حماية الصورة الذهنية لمؤسسة ما أكثر تعقيداً بما لا يقاس , لأن ثمة عناصر كثيرة تدخل في تكوين الصورة الذهنية : ولا تجتمع تلك المكونات على باطل . باختصار ثمة جانبان متداخلان في هذه المسألة . إذا عندما نتحدث عن الفرد قد تكون الصفات الشخصية مهمة في تكوين الصورة الذهنية . ويمكن للدعاية ووسائل الإعلام أن تخلق شخصيات وتروجها ثم ترميها في سلة النسيان بعد حين , وربما تعوّد الجمهور على ذلك ولم يعد يثق بالصحفيين , كما كان في السابق .

وقد درس علم النفس الشخصية Personality , وتعريفه المختصر لها أنها ” الفردية الواعية ” . والشخصية هي العنصر الثابت في سلوك شخص ما , وذلك ما يميزه عن الأشخاص الآخرين . وما يهم في الشخصية هو سماتها ونماذجها . وأن منشأها وراثي وبيئي اجتماعي . ولا بد أن يتمتع عامل العلاقات العامة بمعرفة سيكولوجية عميقة في هذا الصدد , فمادة عمله الأساسية هي الناس , ولهذا السبب سندرس الشخصية من وجهة نظر سيكولوجية بالتفصيل , فما هي الشخصية ؟

يدرس علم نفس الشخصية والفروق الشخصية الفردية . فثمة وجهة نظر تؤكد , أهمي بناء صورة متسقة لشخص ما وعملياته النفسية , وترى أخرى أن الشخصية دراسة للفروق الفردية , بعبارة أخرى كيف يختلف الناس أحدهم عن الآخر , فيما تؤكد ثالثة على معاينة الطبيعة الإنسانية وكيف أن الناس متماثلون جميعاً ويشبه أحدهم الآخر . وتندمج وجهات النظر الثلاث هذه معاً في دراسة الشخصية .

ومن ثم , يمكن تعريف الشخصية بأنها مجموعة خصائص يمتلكها شخص ما تؤثر على نحو فردي في إدراكه ودوافعه وسلوكه في أوضاع مختلفة , و كلمة شخصية Persnality تعود إلى الكلمة اليونانية القديمة Persona إذ كان القناع يستخدم لإخفاء هوية شخص ما , ومن ثم استخدم لتمثيل تلك الشخصية وتقديم صورة مصغرة عنها .

ولا بد من الإشارة إلى أن معظم الأفكار التي طورها الباحثون المعاصرون في الشخصية هي في الأصل فرضيات فلسفية . ويدور الخلاف حول خمس فرضيات أساسية هي :

الحرية مقابل الحتمية : والخلاف على ما إذا كنا نسيطر على سلوكنا ونفهم دوافعنا , ووراء ذلك ( الحرية ) . أو ما إذا كان سلوكنا مقرراً من قبل قوة أخرى لا نستطيع التحكم بها ( الحتمية ) . يمكننا أن نستجيب للقوى الخارجية مثل الحكومة , الآباء , الأساتذة , النظام الاجتماعي والنظام الاقتصادي , إلخ . . . أو يمكن حتى أن نضطر إلى سلوك طرق محددة بفضل تركيبنا الوراثي وتنشئتنا , إلخ . . . والسببية قد تكون احتمالية ومن ثم , غير حتمية .

الوراثة مقابل البيئة : يُظَنّ أن الشخصية تتحدد بالجينات والوراثة , والبيئة والتجربة , أو بكليهما . وهناك دليل على كل هذه الإمكانيات .

الفرادة مقابل الشمولية : يدور الجدل حول ما إذا كنا جميعاً أفراداً فريدين ( الفرادة ) أو إذا كان الناس متماثلون في الأساس في طبيعتهم ( الشمولية ) .

الفاعلة مقابل المنفعلة : هل نتصرف من خلال مبادرتنا الذاتية ( الفاعلة ) , أو نستجيب لمؤثر خارجي ( منفعلة ) ؟

المتفائلة مقابل المتشائمة : والجدل يتركز على ما إذا ما كنا نستطيع تعديل شخصياتنا ( المتفائلة ) , أو نبقى كما نحن طوال الحياة ( المتشائمة ) .

مقتطف من كتاب : الأسس السيكولوجية للعلاقات العامة . تأليف د . نزار ميهوب . رئيس مجلس إدارة الأكاديمية السورية الدولية للتدريب والتطوير . رئيس الجمعية السورية للعلاقات العامة .