°
, April 19, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

عَنترَهْ – لـ نزار قباني

هـذي البـلادُ شـقَّـةٌ مَفـروشـةٌ ، يملُكُها شخصٌ يُسَمّى عَنترَهْ …

يسـكَرُ طوالَ الليل عنـدَ بابهـا ، و يجمَعُ الإيجـارَ من سُكّـانهـا ..

وَ يَطلُبُ الزواجَ من نسـوانهـا ، وَ يُطلقُ النـارَ على الأشجـار …

و الأطفـال …

و العيـون …

و الأثـداء …

والضفـائر المُعَطّـرَهْ …

هـذي البـلادُ كلُّهـا مَزرَعَـةٌ شخصيّـةٌ لعَنـترَهْ …

سـماؤهـا ..

هَواؤهـا …

نسـاؤها …

حُقولُهـا المُخضَوضَرَهْ …

كلُّ البنايـات – هنـا – يَسـكُنُ فيها عَـنتَرَهْ …

كلُّ الشـبابيك علَيـها صـورَةٌ لعَـنتَرَهْ …

كلُّ الميـادين هُنـا ، تحمـلُ اسـمَ عَــنتَرَهْ …

عَــنتَرَةٌ يُقـيمُ فـي ثيـابنـا …

فـي ربطـة الخـبز …

و فـي زجـاجـة الكُولا ، وَ فـي أحـلامنـا المُحتَضـرَهْ …

مـدينـةٌ مَهـجورَةٌ مُهَجّـرَهْ …

لم يبقَ – فيها – فأرةٌ ، أو نملَـةٌ ، أو جدوَلٌ ، أو شـجَرَهْ …

لاشـيء – فيها – يُدهشُ السّـياح إلاّ الصـورَةُ الرسميّـة المُقَرَّرَهْ ..

للجـنرال عَــنتَرَهْ …

فـي عرَبـات الخَـسّ ، و البـطّيخ …

فــي البـاصـات ، فـي مَحطّـة القطـار ، فـي جمارك المطـار..

فـي طوابـع البريـد ، في ملاعب الفوتبول ، فـي مطاعم البيتزا …

و فـي كُلّ فئـات العُمـلَة المُزَوَّرَهْ …

فـي غرفَـة الجلوس …

فـي الحمّـام ..

فـي المرحاض ..

فـي ميـلاده السَـعيد ، فـي ختّـانه المَجيـد ..

فـي قُصـوره الشـامخَـة ، البـاذخَـة ، المُسَـوَّرَهْ …

مـا من جـديدٍ في حيـاة هـذي المـدينَـةُ المُسـتَعمَرَهْ …

فَحُزنُنـا مُكّرَّرٌ ، وَمَوتُنـا مُكَرَّرٌ ،ونكهَةُ القهوَة في شفاهنـا مُكَرَّرَهْ …

فَمُنذُ أَنْ وُلدنـا ،و نَحنُ مَحبوسُونَ فـي زجـاجة الثقافة المُـدَوَّرَهْ …

وَمُـذْ دَخَلـنَا المَدرَسَـهْ ،و نحنُ لا نَدرُسُ إلاّ سيرَةً ذاتيّـةً واحـدَهً …

تـُخبرنـا عـن عَضـلات عَـنتَرَهْ …

وَ مَكـرُمات عَــنتَرَهْ …

وَ مُعجزات عَــنتَرَهْ …

ولا نرى في كلّ دُور السينما إلاّ شريطاً عربيّاً مُضجراً يلعبُ فيه عَنتَرَهْ …

لا شـيء – في إذاعَـة الصـباح – نهتـمُّ به …

فـالخـبَرُ الأوّلُ – فيهـا – خبرٌ عن عَــنترَهْ …

و الخَـبَرُ الأخـيرُ – فيهـا – خَبَرٌ عن عَــنتَرَهْ …

لا شـيءَ – في البرنامج الثـاني – سـوَى : عـزفٌ – عـلى القـانون – من مُؤلَّفـات عَــنتَرَهْ …

وَ لَـوحَـةٌ زيتيّـةٌ من خـربَشــات عَــنتَرَهْ …

و بـاقَـةٌ من أردَئ الشـعر بصـوت عـنترَهْ …

هذي بلادٌ يَمنَحُ المُثَقَّفونَ – فيها – صَوتَهُم ،لسَـيّد المُثَقَّفينَ عَنتَرَهْ …

يُجَمّلُونَ قـُبحَهُ ، يُؤَرّخونَ عصرَهُ ، و ينشُرونَ فكرَهُ …

و يَقـرَعونَ الطبـلَ فـي حـروبـه المُظـفَّرَهْ …

لا نَجـمَ – في شـاشَـة التلفـاز – إلاّ عَــنتَرَهْ …

بقَـدّه المَيَّـاس ، أو ضحكَـته المُعَبـرَهْ …

يـوماً بزيّ الدُوق و الأمير …

يـوماً بزيّ الكادحٍ الفـقير …

يـوماً عـلى طـائرَةٍ سَـمتيّـةٍ ..

يَوماً على دبّابَة روسيّـةٍ …

يـوماً عـلى مُجَـنزَرَهْ …

يـوماً عـلى أضـلاعنـا المُكَسَّـرَهْ …

لا أحَـدٌ يجـرُؤُ أن يقـولَ : ” لا ” ، للجـنرال عَــنتَرَهْ …

لا أحَـدٌ يجرؤُ أن يسـألَ أهلَ العلم – في المدينَة – عَن حُكم عَنتَرَهْ …

إنَّ الخيارات هنا ، مَحدودَةٌ ،بينَ دخول السَجن ،أو دخول المَقبَرَهْ ..

لا شـيء فـي مدينَة المائة و خمسين مليون تابوت سوى …

تلاوَةُ القُرآن ، و السُرادقُ الكبير ، و الجنائز المُنتَظرَهْ …

لا شيء ،إلاَّ رجُلٌ يبيعُ – في حقيبَةٍ – تذاكرَ الدخول للقبر ، يُدعى عَنتَرهْ …

عَــنتَرَةُ العَبسـيُّ …

لا يَترُكنـا دقيقةً واحدَةً …

فـ مَرّةَ ، يـأكُلُ من طعامنـا …

و َمـرَّةً يشرَبُ من شـرابنـا …

وَ مَرَّةً يَندَسُّ فـي فراشـنا …

وَ مـرَّةً يزورُنـا مُسَـلَّحاً …

ليَقبَضَ الإيجـار عن بلادنـا المُسـتأجَرَهْ