°
, December 7, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

الحنين مرضاً . المهندسة لميس بلال .

ولكن لست أدري ما الحنين ؟ انطفاء للأمل هو . . أم استدراك لذاكرة الجسد وانثناء مرير مع القائمة الحديثة للمسافات ؟

لا لست أدري . كيف يحدث أن يجرفني تيار مالح ينبع مع عمقي , كيف يجري بي نحو عالم تحتّي جديد كل الجدة و غريب ؟ أتوقف فيه دون حول ولا قوة ! تسكّرني ! أتفتت ! كما يفتتني الألم ! كما تفتتني الحرية !

ما الحنين ؟ طوفان نوح يغرقني , أرسل في فلك النجدة ثنائياتي , تناقضاتي , وهي جميع ما يبقى مني , في طقس الحنين . . عندما يخترقني سائل دموي محترق , يتفجر في عمقٍ ما داخلي , يحتجزني , يضيق عليّ . . . أحتضر . . يماطل في قبض روحي .

آه من أيلول , من اكتئاباتي السنوية , من ثقالة الطبيعة فوق روحي العازلة المعتزلة , آه من شهر السقوط . . ومن السقوط أيضاً , حبيبي البعيد . . هنا شهر حنيني إليك . . في شهر مرضي بك , في لحظة كتابتي عنك ولك . .

أتساقط وأهتز وأتعلّق كورقة خريفية بحالة كلية من اللا استقرار الزمني , أتطاير ولا انتهاء , أهتز كريشة تعاني , كأمل يضيع , كفكرة . . كخيط صبح ,

ثم يصبح الحنين دروباً نورياً يحملني إليك . . أراك . . ها أنت هنا , هذه عيناك . . هذه يدك , هذا ثباتك , حضورك , وهذا هو اسمك . . . اسمك أنت , وصوتك يتردد في فضاء الحلم ” تعالى ” . . لكنني مغلفة بجدران المكان , بجدران المسافات , بجدران سميكة قدر سماكة الموت , حنين . . ولك أول الحب ومنتصفه ونهايته , حنين . . ولك العمر هدية تلتف بورق خريفي متساقط , حنين . . يحملني إليك , إلى ذراعيك , لتغطيني بعيونك فأرى خلاصي , ثم أتساقط أيضاً , أتذرّى , أفقد فعلي وانفعالي . . أتحوّل من جديد إلى حنين , وأفقدك . . .

هل يمكنك أن تراني ؟ أن تلاحظني ؟ أن تشعر بي بين أصابعك وفي همسات الليل الحالم قبل رحيلي فيه ومنه ؟ . . هل تلمسني على الجدران الداخلية لقلبك ورئتيك ؟ هل تلمسني في أنفاسك ؟

أنت هنا , في ركن جنيني , تمارس ابتعادك عني وأنت في رحمي الحالم , هانئاً في استقرارك , ثمّ أتدفق مع جداول حنيني نحو أمطار مونتينيغرو , أطل مع نصف القمر على انتظارك , أغرب مع الشمس عنك , أصبح مع الفجر عليك . . أشتعل حنيناً وأنطفئ وأنا أراك , ألامسك , أغادرك محكومة بالمد والجزر و لا أرجع , ألامس دقائق الحياة أعلو وأعلو , أتبخر ثم أسقط مطراً تذكرني به وتذوب حنيناً . . . هذا هو الحنين إذاً !

عندما أكف عن كوني , أعدم ثقلي , ألاحق حلمي وهو يهاجر نحو الضياء . . عندما أكونك , في ابتعادك , وأضحي برؤوس مثلث حياتي من زمان ومكان وشيئية , وأعرف أنني بلغت الحنين , وهو أخر معقل من معاقل التحدّب , وهو نهاية الطوفان واختراق جميع الأماكن . . . و دخول الغرب في الشرق وابتلاع الشمس للأرض , وهو الذهاب والرجوع في أمل معذب وهو آلام المسيح . .

أتماهى فيه , أرتديه جلداً , أمتلئ به دماً , أطمئن به . . يصبح لغة جسدي . . ويتكلّم , لا بل يصيح . .

ينادي ” أنت حيث أنت . . معي , وأنا حيث أنا معك

هذا هو الحنين . .

مقتطف من رواية ” الزمن المؤنث ” لـ المهندسة لميس بلال . الصادرة عن وزارة الثقافة السورية . الهيئة العامة للكتاب الطبعة الأولى لعام 2010 . وهي الرواية الأولى للمؤلفة . المهندسة لميس بلال من مواليد 1980 . خريجة المعهد الوطني للإدارة العامة , لها كتابات عدة في الدوريات السورية والدوريات العربية وحالياً رئيسة دائرة المراكز الثقافية في مديرية ثقافة طرطوس .