°
, April 19, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

المجاهد الشيخ “مشرف الدندل” في ذاكرة الأحفاد

يستحقّ أن يكون شيخاً لعشائر “العقيدات” بفضلِ شجاعته وسعيه في الحفاظ على كرامة وطنه، كان له الفضل الأكبر في إشعال ثورة العشرين في “العراق” أثناء الاحتلال الإنكليزي؛ أعلن الجهاد بين أبناء عشيرته ضد المحتل الفرنسي فكان بمثابة القائد الميداني في المعارك آنذاك، وهو الشاهد على رفع العلم العربي فوق أول بقعةٍ محررة من “سورية” وبوفاته خسرت العشائر رجلاً مقداماً لا يعرف الاستسلام.

 

 

الشيخ “مشرف الدندل” أحد أبرز الشخصيات التي ذاع صيتها في فترة العشرينيات من القرن المنصرم، فكان لمراسل esyria وقفة أمام مسيرة هذا المجاهد عندما التقى بأحفاده الشيخ “أيمن دحام الدندل” والشيخ “رجا دحام الدندل” في مدينة “البوكمال” حيث كان الحديث للشيخ “أيمن الدندل” الذي تحدّث قائلاً:

«وُلِد الشيخ “مشرف الدندل” عام \1875\م وهو شيخ عشائر “العقيدات” في “البوكمال” استلم المشْيخة عام \1920\ بعد وفاة والده ومن ثم استشهاد شقيقه الأكبر الشهيد “عبد الدندل” في معركة “الضبيعة” ضد الإنكليز. بعد استلامه زعامة العشائر عمل على شحذ همم رجال العشائر والدعوة إلى الجهاد ضد المحتل الإنكليزي؛ وكان برفقته في هذا النضال شقيقه الأصغر الشيخ “رجا الدندل” حيث كانت إشارة الجهاد آنذاك معروفة بين العشائر وهي عبارة عن راياتٍ سوداء تُرْفعُ على الإبل ويتجول بها بين جميع العشائر لتدل على تعبئة الرجال ودعوتهم للقتال، وأمام هذه الدعوات اجتمعت جميع العشائر في “البوكمال” بقيادة الشيخ “مشرف الدندل” ولاحقوا فلول الجيش الإنكليزي حتى داخل الحدود العراقية حيث استطاعوا تحرير مدينة “عانة” العراقية وإسقاط الحكومة الإنكليزية والمتعاملين معها من العشائر العراقية؛ وخلال ذلك وقعت عدة معارك بين الطرفين وكان الإنكليز في كل مرة يتكبدون خسائر بشرية تتجاوز مئات الجنود، وقد كتب الكثير من المؤلفين والأدباء عن هذه المعارك المُشرّفة ومنهم المؤلف الفرنسي “هنري شارل” في كتابه “عشائر الغنامة” ومن بين هذه المعارك معركة “المدْكوك” ومعركة “النّسورية” و “وادي علي” كما خاض الشيخ

تكبير الصورة
الشيخ “أيمن الدندل”

“مشرف” مع رجاله عدة معاركٍ أخرى أثناء مطاردة القوات الإنكليزية حتى مدينة “حدْيثة” على بُعد \160\ كم عن مدينة “البوكمال” داخل الأراضي العراقية ومن هذه المعارك معركة “الصفرا” و “البارج” و “الفحيمي”».

ثم تابع الشيخ “أيمن” حديثه قائلاً: «تم تكليف الشيخ “مشرف الدندل” وشقيقه الشيخ “رجا الدندل” بعدة مهمات من قبل الحكومة الشريفية (حكومة الملك فيصل) ومن بين هذه المهمات الإغارة على العشائر العراقية الموالية لقوات الاحتلال الإنكليزي المتواجدة في مناطق “الموصل” و “سنجار” و “الثرثار” كذلك كلّفوا بمهمة قطع خطوط الإمدادات عن الإنكليز من “بغداد” إلى “الموصل” وقد تمّت بنجاح وذلك خلال الكمين الذي نصبوه في منطقة “حمام العليل” جنوب الموصل، وتم تكليفهم أيضاً بمهمة حشد رجال عشائر “العقيدات” للمشاركة في تحرير “الموصل” من الاحتلال الإنكليزي؛ وتم تحريرها بمشاركة عشائر “الجبور” و “الشمّر”؛ وقد استشهد خلال تلك المعارك خيرة رجال عشائر “العقيدات” وعلى رأسهم شقيقه “عبد الدندل”، وفي مذكراته أشار القائد الإنكليزي “ليجمان” بأنه لاقى مقاومة عنيفة في تلك المعارك وقد عجز عن إخضاع عشائر “العقيدات” بالرغم من إتباع سياسة الأرض المحروقة والقصف الكثيف بالطائرات إلا أنه فشل في تحقيق هدفه».

ثم تابع قائلاً: «أما بالنسبة لمجابهته للاحتلال الفرنسي فقد خاض الشيخ “مشرف” مع رجاله معارك كثيرة وأهمها معركة “أبو سيباط” عام\1932\ وذلك عندما فرض الفرنسيون غرامة على عشيرة “الحسّون” (إحدى عشائر “العقيدات”) ومقدارها \200\ بارودة وعدة مئات من الليرات الذهبية وبخاصة على أهالي قرية “السويعية”

تكبير الصورة
الشيخ “رجا الدندل” الشقيق الأصغر للشيخ “مشرف”

و “الهري” وبعد مشاورة أهالي هذه العشيرة للشيخ “مشرف” أَمَرَهم بعدم دفع هذه الغرامة ودعاهم لتجهيز أنفسهم لمواجهة الفرنسيين الذين أعدّوا العدّة لتنفيذ هجوم على المنطقة بعد أن طلبوا قوات دعم إضافية من “دير الزور”، ولحنكة الشيخ “مشرف” وذكائه فقد سبق تلك القوات وحشد رجاله في منطقة “أبو سيباط” الواقعة على مشارف مدينة “البوكمال” وبالفعل استطاعوا مفاجأة تلك القوات الغازية بقيادة الكابتن “شوفوليه” الذي قُتِلَ في المعركة التي استمرَت نحو خمس ساعات واضطرّت القوات المتبقية للانسحاب من المكان الذي وصلت إليها، أمام تلك الهزيمة المُذِلّة للفرنسيين قامت الطائرات الفرنسية بإلقاء منشورات تطلب من الشيخ “مشرف الدندل” وشقيقه الشيخ “رجا” تسليم أنفسهم وهدّدت بقصف المدينة إذا لم يستجيبوا للأمر، رفض الشيخ “مشرف” الاستسلام وأصرّ على متابعة القتال؛ نتيجة ذلك قُصِفَت مدينة “البوكمال” وعدة قرى في المنطقة كقرية “الغِبرة” و “الحسرات” و “السوسة” و “السويعية” و “الهري” و “الباغوز” فلم يكن أمامهم إلا الالتجاء إلى مدينة “الرمادي” العراقية حيثُ لاقوا كل الاهتمام من حكومة الملك “فيصل” تقديراً على خدماتهم الكبيرة أثناء ثورة العشرين ضد الإنكليز. بقيّ الشيخ “مشرف” لاجئاً في “العراق” حتى عام \1941\ عندما استلمت الحكومة الديغولية في “فرنسا” بعد سقوط الحكومة الفاشية؛ فصُدرِ العفو العام بحق كل اللاجئين ومن بينهم الشيخ “مشرف” الذي عاد إلى “البوكمال” مع الثائر “فوزي القاوقجي” أثناء فك الحصار عن رجاله المُحاصرين في منطقة “القائم” على الحدود السورية – العراقية. وفي عام \1945\ كانت مدينة “البوكمال” لها الشرف في أن تكون أول منطقة سورية ترفع العلم العربي بعد الاستقلال وكان للشيخ “مشرف” وشقيقه “رجا” وابنه الشيخ “دحام رجا الدندل” الفضل الكبير في شحذ همم العشائر لتأجيج نار الثورة ضد المحتل».

في \15\ نيسان من عام \1951\م أُطفِأت شمعةٌ كانت تنير الدرب للأجيال لسنواتٍ مَضَتْ؛ فبوفاة الشيخ “مشرف الدندل” خَسِرتْ مدينة “البوكمال” أبرز شخصية تاريخية تحدّث وكتب عنها الكثير من المؤلفين العرب والأجانب ومع ذلك وضِعتْ أمامها الكثير من علامات الاستفهام.

المصدر : موقع دير الزور