أغنية النفس
أنا البدء والمبدأ . أنا الكل وبالكل وللكل وأعظم من الكل . من أعماقي انسكبت الدهور والآلهة والبشر . ومن يدي انهالت الأفكار العلوية والأقوال الجميلة والأعمال الجليلة .
أنا ” مينارفا ” اليونان ” وايس ” مصر ” وكالي ” الهند – أسماء متباينة لذات واحدة .
أنا سراج السبيل ومرآة الأجيال وكتاب الحكمة .
أنا البدء كنت مع القوة أرف على وجه الغمر . وها أنا الآن فوق المجرة وحول الشموس والأقمار والنجوم وفي أعماق البحار وخلايا الأثير .
المادة تقود الإنسان إلى الهوان , والجهل يلويه إلى الحضيض , وأنا أقاتل عنه وسوف أتغلب على مضطهديه واسحق أعداءه كالفخار .
تمثال الإنسانية ينتقل من هيكل العقل من مكان إلى مكان , وكتاب الدين من يد إلى أخرى , وأنا في مكاني الأزلي الأبدي لا أزول ولن أتغير.
أنا الحب والمحبوب معاً .
أنا الضمير الحي والقوة المحركة .
أنا نرجس سارون وسوسن الأودية . أنا فراشة أطوف حول النور والنور لا يحرقني .
أسيل مع قطرات الدم في ذراعي الأم عندما تضم طفلها إلى صدرها , وعلى شفتي المحب إذ يقبل ثغر رفيقته وبين أصابع الصديق عندما يلاقي الصديق .
أنا النفس الحر في قبلة الحب التي تفصل الذات عن الذات .
الحب يميني والجمال يساري والسعادة أعمال يدي .
جبران خليل جبران . المهاجر 9 آب 1905