شارك صديقي المحترم أيهم نور الصباح حسن رابط لي تحدثت فيه ( حول تشكيل الحكومة في سوريا من الناحية الدستورية والواقعية )
ولقد لاحظت هذا التعليق لديه من أحد السادة أصدقائه كرد عليّ و تأكيد لوجود صلاحيات ومنصب رئيس وزراء، يقول التعليق :
” ارجع للدستور لمواد : /125 / والمادة /127/ والمادة /128/ لتتعرف على كيفية تشكيل الوزراء ومتى وما هي صلاحياتها ..……هو يقول (يقصد أنا كاتب الرابط ) لا يوجد منصب لرئيس الوزراء وليس له صلاحيات ،وهذا سبب ذكري للمواد في الدستور ..”
لذلك اقتضى الأمر مني هذه الاجابة للتوضيح والبيان:
1- لا يوجد في سوريا دستورياً و واقعياً ورسمياً منصب ” رئيس وزراء ” بل وظيفة ” رئيس مجلس الوزراء ” فالمنصب هو موقع مسؤولية و صلاحية ، بينما الوظيفة هي تأدية مهمة تنفيذية دون أي صلاحية معتبرة دستورياً تصدر عنه ، وهذا اختلاف جوهري بين المفهومين من الناحية الفقهية القانونية ، وأيضاً التسمية الرسمية في سوريا هي :” رئيس مجلس الوزراء ” وليس رئيس للوزراء وهذا يعني أنه ليس صاحب السلطة القانونية على الوزراء بل هو مكلف ادارياً برئاسة جلسات الوزراء لتنفيذ المهام الموكلة له ولهم بموجب الدستور من قبل رئيس الجمهورية ، الذي هو حصرياً صاحب الصلاحية القانونية بوضع السياسة العامة للدولة .
نص المادة 98 ( يضع رئيس الجمهورية في اجتماع مع مجلس الوزراء برئاسته السياسة العامة للدولة للدولة ويشرف على تنفيذها )
كما هو واضح من النص الدستوري فالرئيس هو واضع السياسة العامة للدولة والمشرف على تنفيذها وليس لأي أحد غيره أي صلاحية ، بل عليهم جميعاً وظيفة التنفيذ دون أي حق قانوني بالاعتراض .
” أرجو اعتبار المعنى الدلالي الاصطلاحي لكلمة وظيفة أو موظف وليس المعنى التفاضلي أو الأيدلوجي أو الاخلاقي … عند القراءة وكذلك في كل الكلمات الواردة في هذا التوضيح تبنّي المعنى الفقهي القانوني والدلالي الاصطلاحي وليس المعنى الاتهامي أو التفاضلي أوالبلاغي أو التصغير أو التكبير أو التّهكم أو الاساءة بحق أحد”
2- نص المادة 97 من الباب المتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور السوري الحالي تنص :
( يتولى رئيس الجمهورية تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزارء ونوابهم وقبول استقالتهم واعفائهم من مناصبهم )
أي كما هو واضح له الولاية الكاملة في كل ما تقدم فيما يخص تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم …..الخ
وبالتالي القرار الصادر عن رئيس الجمهورية بتكليف السيد عرنوس بالوزارة هو قرار تضليلي لأن السيد عرنوس ليس له أي صلاحية دستورية بذلك ولا يستطيع تعيين أي نائب له ولا وزير ولا نائب له حتى بل لا يستطيع تعيين مدير عام ولا موظف عادي من أي درجة ، الا تنفيذاً لتعليمات رئيس الجمهورية الذي يملك صلاحية تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين ومن أي درجة وفق نص المادة 106 :
(يُعيّن رئيس الجمهورية الموظفين المدنيين والعسكريين وينهي خدماتهم وفق للقانون )
– لنعود لنص المادة رقم 125 المذكورة في التعليق لأحدهم على الرابط لتأكيد وجود منصب رئيس وزراء وصلاحيات له ….حيث تنص :
( 1- تُعد الوزراة بحكم المستقيلة في الحالات الآتية :
أ– عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية .
ب– عند انتخاب مجلس شعب جديد .
ج–إذا قدّم أغلبية الوزراء استقالاتهم .
2- تستمر الوزراة بتسيير الأعمال ريثما يصدر مرسوم بتسمية الوزراء الجديدة .)
إذاً كما هو واضح لا علاقة لهذه المادة بأي دليل على وجود منصب رئيس وزراء بل حتى الفقرة ج بما يخص الاستقالات لا تنفذ الا اذا وافق عليها رئيس الجمهورية فهو وفق المادة 97 له وحده حق قبول استقالاتهم ولا يستطيعون حتى تقديم استقالاتهم ، والمادة برمتها متعلقة بحالات اعتبار الوزارة مستقيلة .!
3- يشير التعليق الذي يقول بوجود صلاحية لمنصب لرئيس الوزراء الى نص المادة رقم 127 :
( تجري الأحكام الخاصة بالوزراء على نواب الوزراء )
كما هو واضح من نص هذه المادة لا علاقة لها مطلقاً بصلاحيات مُفترضة لمنصب رئيس وزراء مفترض من قبل صاحب التعليق ، خلافاً للدستور والواقع والصفة الرسمية .!
ثم أخيراً يذكر صاحب التعليق نص المادة 128 :
( يمارس مجلس الوزراء الاختصاصات الآتية :
1- وضع الخطط التنفيذية للسياسة العامة للدولة .
2- توجيه أعمال الوزارات والجهات العامة الأخرى .
3- وضع مشروع الموازنة العامة للدولة .
4- إعداد مشروعات القوانين .
5- إعداد خطط التنمية و تطوير الإنتاج واستثمار الثروات الوطنية وكل ما من شأنه دعم وتطوير الاقتصاد وزيادة الدخل الوطني .
6- عقد القروض ومنحها وفقاً لأحكام الدستور .
7- عقد الاتفاقيات والمعاهدات وفقاً لاحكام الدستور .
8- متابعة القوانين والمحافظة على مصالح الدولة وأمنها وحماية حريات وحقوق المواطنين .
9- إصدار القرارات الإدارية وفقاً للقوانين والأنظمة ومراقبة تنفيذها .)
هذه هي المادة الوحيدة التي فيها ” شبهة” وجود صلاحيات لوظيفة مجلس الوزراء وليس لمنصب رئيس الوزراء أو حتى رئيس مجلس الوزراء .
وسأقوم بتفنيد كل بند في المادة
( مع التنويه مجددا ً أنه لم ترد لفظة منصب رئيس وزراء في الدستور ، بل لفظ رئيس مجلس الوزراء وقد أوضحت في مقدمة هذه الإجابة الفرق القانوني والفقهي الدستوري بين التسميتين ، خاصة لجهة كون تسمية رئيس الوزراء هي بمنزلة منصب قانوني وتسمية رئيس مجلس الوزراء هي وظيفة ادارية )
بداية المادة تقول بالحرف :
” يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الآتية … “
أي أنه لا يتحدث عن صلاحية رئيس وزراء بل عن ” صلاحيات ” مجلس وزراء مجتمعاً ، وسنعرف بعد قليل أن هذه ليست صلاحيات أو حقوق قانونية للمجلس بل واجبات قانونية عليه
– الفقرة الأولى من المادة أعلاه تشير الى : وضع الخطط ” التنفيذية ” للسياسة العامة للدولة ، التي يضعها بموجب الدستور السوري الحالي والمادة رقم 98 رئيس الجمهورية …
وبالتالي هذه المادة هي واجب وظيفي لمجلس الوزراء مجتمعاً لتنفيذ السياسة العامة للدولة التي وضعها الرئيس وليس صلاحية قانونية للمجلس ، وهذا فرق جوهري مهم واختلاف في مفهوم الواجب ، الذي يستدعي المعاقبة في حال المخالفة ، وبين الصلاحية التي هي حق قانوني دستوري للمُصدر صاحب ” المنصب ” .
-الفقرة الثانية ” توجيه أعمال ” التوجيه عمل اداري وليس صلاحية قانونية تستوجب المسؤولية ، وهذا يضعها في خانة الواجب الوظيفي وليس في خانة الصلاحية ، المراد لنا توهمها بهذه الصيغة .
وضع الموازنة العامة للدولة ، أي العمل على وضع إجراء تنفيذي للموازنة المقدرة والمرصودة إبتداءاً من قبل رئيس الجمهورية بموجب نص المادة رقم 98 بما يتعلق بوضع الميزانية العامة للدولة ، وبالتالي هذا واجب على مجلس الوزراء مجتمعاً وليس صلاحية لا للوزراء ولا لرئيس مجلسهم أو رئيسهم .
– تنص الفقرتين 4و 5 على ” إعداد ” في بدء كل فقرة ، أي نحن لسنا أمام صلاحية دستورية لمنصب دستوري ، بل أمام واجب وظيفي لموظف ، يُقدمه لذي الشأن والمنصب الرسمي ، وهو هنا رئيس الجمهورية ، ليقوم هذا الأخير بوضعه الى جانب دراسات أخرى و إعدادات أخرى غير ملزمة له ، أثناء معرفته أوضاع الدولة في سبيل الادارة .
– الفقرتين 6 و 7 أيضاً تربطان عقد الاتفاقيات والقروض بأحكام الدستور ، وبالعودة الى الدستور لمعرفة الصلاحية بعقد الاتفاقيات والقروض ..الخ وخاصة المواد 97 و 98 و 99 و 100 و 101 وصولا ً للمادة 107 :
” يُبرم رئيس الجمهورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويُلغيها وفقاً لأحكام الدستور وقواعد القانون الدولي ”
أي هاتين المادتين الموضوعتين في باب صلاحيات مجلس الوزراء هنا من صلاحيات رئيس الوزراء ، وهناك غاية من وضعهما هنا ، أولاً لزيادة وهمية في صلاحيات مجلس وزراء هو من حيث الصلاحيةالقانونية غير ذي صلاحية ، وثانياً التفويض لغيره في بعض الاتفاقيات والأمور ذات الطبيعة السلبية لدى لجمهور السوري العام ،للقيام بذلك كوجه قباحة من قبيل التنازل عن الممتلكات والمرافق السورية التي تمت خلال الفترة الماضية لمصلحة دول أجنبية ، وذلك للتملص قدر الامكان من المسؤولية ، وصولاً لبعض “الحرتقات ” الادارية التي يمارسها منصب الرئاسة ، من قبيل زيادة الأسعار حيث تصدر من مجلس الوزراء والوزراء ، الذين ليس لديهم صلاحية قانونية بذلك ، و مرسوم زيادة الرواتب من منصب الرئاسة ، حيث يترسخ مع الوقت في الوجدان المجتمعي أن ” الخير ” يأتي من منصب الرئاسة و ” السوء ” يأتي من مجلس الوزراء ومن هم دون الرئيس ..
-الفقرتين الأخيرتين 8و 9 من نص المادة عينها تقولان بشكل حرفي : متابعة القوانين …… إصدار القرارات الادارية ، وكما هو واضح فهذه ليست صلاحيات دستورية قانونية بل واجبات وظيفية ملزمة تتضمن بالمحصلة تنفيذ ما قرره الرئيس الذي يملك كامل الصلاحية الدستورية وفي كل أمر في سوريا وبموجب نصوص دستورية واضحة لا لبس فيها .
.