تلفيق المعايير من أجل دعم فكرة فئوية خاصة بصاحبها أو بجماعته الاثنية أو الدينية أو الحزبية أمر لا يستقيم منطقياً مع مطالبتنا بإزالة مظلوميتنا الخاصة المزعومة ، ومن ذلك إعتماد معيار الأكثرية مرة ، وإعتماد معيار الأقدمية التاريخية والحق التاريخي مرة أخرى ، أو معيار التفوّق والتحضّر وفق رؤية خاصة لذلك ، أو إعتماد معايير خاصة بنا لفهم وتبنّي المظلومية ،أو إعتماد أسباب مُدينة للأخروأسباب مُبرئة لنا وعلى ذات الفعل وفي ذات الوقت ، وتأطير الأخلاق بما نحمل من قيم خاصة ونفيها عن الأخر ، وإعتبار أنفسنا قيمة القيم ومصدر الخير ، سواء بالتصريح بذلك مباشرة أو إستخدام ما يؤول لذلك ، والأخر مصدر الشرو سبب كل علّة ، وأن أُمنا وأبينا شرفاء , وأم وأب الأخر ساقطين ويمارسون الرذيلة ،وأننا أبناء نسب نقي والأخر نسب لَقيط أو مجهول ونريد أدلة على ما يُناقض إعتقادنا فيه في حال نفى إتهامنا وهي الأدلة المُتحققة لدينا فيما ندّعيه دون إبراز ، و إستخدام الأعضاء التناسلية في الشتائم بين بَعضنا ، ونحن الذين لا نُحسن إستخدامها بشكلها الملائم في مكانها اللائق ، ونعتبر الإنفعال حق مُبرِر لتشويه الأخر، ولا نرضاه في حال كان بمواجهتنا ، ونعتبر أن الحق بالتعبير والنقد حق فيما نُريد ،وليس حقّاً فيما يُريد الأخر التعبير عنه ، وأن حق الاعتقاد للأخر محصور بما نعتقده في ذلك …. واللجوء الى التلفيق لتأييد مزاعمنا الفئوية الاثنية منها والدينية والحزبية مرة بإعتبار أننا الأصل الحضاري ومرة الأصل اللغوي ومرة الأصل الإثني ومرة بجعل أنساب الأبطال والمشهورين من أرومتنا الخاصة ،وأن روايتنا التاريخية هي الصحيحة وكل ما دونها هراء والعالم يدور على محور واحد هو نحن ” الاثنية -الدين -الحزب – الفرد ” ….الخ إن هذه الطريقة في التفكير والتصرف إضافة لكونها لا تعكس طبيعة الحياة وواقعها …فهي ليست مسار ملائم للبشر الذين يُودون بناء وطن , و التخلص من مظلوميتهم بالتوازي مع عدم تسبيب مظلومية للأخر، فمفهوم الغٓلٓبة وتضمينه مفهوم المواطنة أمر لا يستقيم معيارياً ويُفخخ المواطنة ويُحوّلها لمطية حديثة لمفاهيم مُغرقة في القدم كانت في حينها صيغة ملائمة لنمط من الحياة تجاوزها الزمن ولا يمكن واقعيا ًالعودة إليها .. إن المواطنة التي هي أرقى صيغ الإجتماع الإنساني حتى تاريخه، تعتمد مبدأ الدخول لحل مشكلة المظلوميات للمواطنين والجماعات الثقافية من مدخل مفهومي الحق والواجب القانوني ، لأنه المدخل الملائم الذي يُجنّبنا الدخول في متوالية الغلبة من مظلوم لظالم … ، ويُدخلنا في مسار العدالة التي لا تعني بالضرورة المساواة بل تعني تمكين الأفراد مما يُرِيدُون وتكافؤ الفرص لديهم في ذلك ، وهو أمر لا يعني البتة الخلوص النهائي من المساوئ جميعها والوصول الى الإدارة “الربّانية ” لسوريا ،بل يعني وضع رجلنا جميعاً على مسار التمدن الطويل لنا و لسوريا علّنا نصل كبشر الى مستوى يليق، سواء بقيت سوريا أم لم تبق …
27 حزيران 2016