عدم دخول مناطق الساحل السوري خلال الفترة الماضية تم بموجب توافق دولي ، مُنعت بموجبه الفصائل العسكرية التي يتحكم بها بالمآل الجهة المانحة للمال اللازم في أي عمل ، مُنعت من الدخول رغم أن بعضها يظن بأن القضاء على السلطة غير الشرعية يتم هناك وليس بدخول القصر في دمشق . وطبعا ً توافق القوى الفاعلة حول ذلك هو لاعتبارات لوجستية في الحرب ،ليس بينها البتة المفاهيم المتعلقة بحماية المدنيين أو الأقليات خاصة العلويين “بالمناسبة ليس العلويين أغلبية هناك ” ، الاعتبارات اللوجستية تلك تقتضي في سوريا إبقاء مناطق منها آمنة لتفعيل الحرب وإعادة التحكم بخارطتها مع الوقت وعند الحاجة ،حتى ما جرى من خروقات يسميها كل جانب “تحرير” كانت تتم بريموت كنترول القوى الدولية الفاعلة حتى جانب السلطة يخضع لهذا الكونترول من القوى الإقليمية أو الدولية التي استحوذت عليه كليا ً ، في تفجيرات جبله وطرطوس فذلك يضع الأمر رهن احتمالات من ضمنها :1- أن القرار السياسي الدولي بتحييد الساحل السوري قد يكون تم تعديله للانتقال الى خارطة أخرى للصراع الدولي والاقليمي الذي أمتطى الثورة السورية .2- أو إعادة ضخ الساحل بالخوف من أجل ابتزازه من قبل السلطة غير الشرعية 3- أو إعادة استخدام ايران لطريقتها التقليدية في العراق باللعب على التناقض السني الشيعي وهنا السني العلوي عبر قيامها بعمليات في كلا الجانبين من قبلها تجعلها تستفيد من ترميد سوريا لاحقاً 4- أستبعد فرضية داعش ليس لأنها ليست فصيل ارهابي من طراز رفيع، بل لأن هذا التنظيم بمآل تحركاته وأفعاله حاضر ليلاقي النظام بفعله من المقلب الذي يفترض أنه مناقض له ” ارهاب ضد الدولة ” وهناك أمثلة كثيرة تبرز خدمات داعش الواقعية من ضمنها تسليم قطع عسكرية كاملة مثل الفرقة 17 واللواء 92 ومطار الطبقة … وأخرها مدينة تدمر سواء من ناحية دخولها أو الخروج منها ، وفي أغلب تلك الحالات لم يطلق الطيران برميل متفجر واحد عليها ، حيث كان الطيران مٓلْهي بضرب البراميل على ” حواضن ” الارهاب في المدن والبلدات السورية الأخرى بل من الملفت أن تنظيم داعش الإرهابي قام بتدمير سجن تدمر الشهير الذي يُشكِّل أحد أهم الأدلة المادية القانونية لإدانة رأس النظام بجرائم حرب … 5- وكذلك الملفت أن السلطة غير الشرعية اتهمت أحرار الشام التي أعلنت بعدها مسؤوليتها ثم تراجعت عن ذلك لتعلن داعش مسؤوليتهاعن التفجيرات مع إستمرار إعلام السلطة غير الشرعية بالالتفات عن تبني داعش واتهام أحرار الشام ، من الملاحظات المهمة لقراءة المشهد السوري الحالي أنه لم يعد واقعي النظر الى طرفي معارضة وموالاة ككتلتين منسجمتين داخلاً في مقابل بعضهما، حتى في تلك المؤسسات المنضوية تحت أي منهما .،فلدى أغلب الفصائل مرجعياتها الداعمة بسبب حاجتها المال للعمل ، وهو مال بالنتيجة سيتحكم بدائرة عملها بمعزل عن نية أو رغبة أفرادها ، وهو الأمر ذاته ينطبق على عناصر الجيش في الجهة المقابلة ، وكذا الأمر في الجهات السياسية الممثلة للثورة السورية التي أصبحت مرهونة للجهات الداعمة أيضاً بمعزل عن النية والارادة الطيبة لكثير من أفرادها ، والأمر كذلك في جهة السلطة غير الشرعية حيث أصبحت مرجعية كل جهاز أمني تترواح بين الموارد الذاتية للفرع ، موارد ناجمة عن امتطائه مفهوم الدولة لتحقيق دخله الخاص ، أو ايران أو روسيا بل دول ثالثة … ، أو ميليشيا الدفاع الوطني التي لم يعد يربطها رابط بينها إلا عنوان عريض من بقايا تأثيرات الاعلام السلطوي المتمثل بأنها تنظيمات دفاع عن الوطن ضد الارهاب… فهي تتصارع فيما بينها ،بل وتؤدي خدمات بالقطعة لأفراد أو قوى خارجية ..نحن أمام مشهد مركّب تبدو قيادته في كلا الطرفين تتبادل الخدمات لبعضها ليس على قاعدة الاتفاق المسبق، بل نتيجة الاختلاف المتناغم الذي يحقق منافع متبادلة بسبب مآلات الصراع ، فهذه القيادات على سبيل المثال لديها في مستوى رأس النظام تبادل نفطي مع داعش حيث يشتري النفط منها بسعر منخفض ويبيعه بسعر أعلى ل” الدولة السورية ” مستفيدا ً من طرفي المشهد ” الوطن المفترض والارهاب الواقع ” بل وصل موضوع تعاون المختلفين الى بعض نقاط التماس حيث تقوم بعض فصائل الدفاع الوطني بالتجارة بالمواد النفطية وغيرها مع فصائل مسلحة محسوبة على المعارضة كما حدث مثلا ً في الغاب وغيرها ، وأظن أن المشترك بين أنصار كلا الجهتين من الشعب السوري كبير جداً ومسكوت عنه وغير مسموح به …بنفس الوقت المسكوت عنه هو حجم المنافع بين أمراء الحرب ” الوطنيين ” و” اللّاويين” وهو عينه المسموح به والمرغوب فيه ، والذي غالباً يتم عبر تضحية كل طرف بأنصاره ليبقى ” الدخل ” مستمرا ً … طبعاً الشهادة من أجل الله والوطن حسب التوظيف جاهزة لتجبّ ما قبلها ولتشجع على ما بعدها من استمرار موت ناس كثر واستفادة ” قوّاد ” قلائل … وبكل حال لا ينفي هذا البتة وجود جهات في كلا طرفي المعادلة قابضة بصدق على جمر ما تعتقده صوابا ً…بالنسبة لفساد حواجز السلطة فيجب فهمه عبر فهم أن أغلب تلك الحواجز أو مواقع المسؤولية أصبحت بمنزلة “دكّانة” تدر” مصاري ” وفرصة لتحقيق الذات عبر السرقة في بلد لم تتحقق فيه المواطنة المكُتفية ، بسبب سرقة الثروات طيلة عقود ليكون ” الحلال ع الشاطر ” مدخلا ً ملائما ً للحياة ، والوطن عبارة مفضلة وسحرية حيث ” الله العاطي والرازق ” لدى جماعة المُسْتٓثِمرين و” قضاء الله وقدره” الذي لا رادّ له لدى المُسْتٓمٓرين هما السائدين على حساب سوريا الوطن ….
27آيار 2016