°
, October 6, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

أحمد اسكندر سليمان : تسبقه دائماً.. سلحفاة ضاحكة

1 – اللغة مقبرة جماعية لا يقوم منها إلى الحياة إلاّ من يتقن الحوار مع المختلف.. الهوية الأبدية للأحياء هي التلف، ومن هذه الهوية فقط يصنع الشعراء الخلود.

2 – الارتياب يؤكده المكان .. تؤكد اللغة الإيمان .. وإذ لا خطأ في لغة مكتملة أيضاً، يخرّب المكان .. أيضاً، في المكان فخ واحد هو الموت .. في اللغة أفخاخ لانهائية كـ .. الأبد .

3 – المكان في اللغة هو إشارة إلى الحضور .. اللغة في المكان هي إشارة إلى الغياب .. مهما حدث، أكثرية اللغة ليست أكثر من أقلية المكان، وغير ذلك لا يسمى حواراً، بل إبادة .. نعم، كان التأكيد دائماً إلغاءً وإبادة مستمرة .

4 – ليتجدد، يكمل المكان دورته في يوم واحد .. نور وظلمة .. اللغة لا تكمل دورتها أبداً! ألهذا ينقلب المكان على اللغة ويغادرها ؟ .. ألهذا، يعاقب موتى اللغة أحياء المكان .

5 – لا يصير المكان جديداً تحت وطأة لغة قديمة .. المستبد على المكان، يكثر في استعمال اللغة، ألأن السلطة هي جذر اللغة وليس الحب ؟ .. أهذا ما يحاول أن يؤكده الجسد ؟ .

6 – الزمن في المكان حقيقة، وفي اللغة افتراض.. حقيقة في زوالها .. افتراض في ديمومته .. نعم، هكذا تولد المسافة ويتشكل الاختلاف بين الواقعي و .. اللغوي .

7 – أيضاً .. الهدم في المكان، بناء في اللغة ! .. ألهذا يتناقص الإنجاز ويكبر الوهم ؟ .. ألهذا كان سكان الصحراء، أكثر مهارة في بناء الغيب؟… ألهذا كان الذين بنوا جنائنهم في الغيب، يهدمون المدن ؟ .

8 – يكتفي المكان بذاته .. اللغة لا .. لهذا كلما نضج الحوار، قلّ استعمال اللغة .. هذه هي الثقة، ومن موقع الثقة تصدر البديهيات والتقاليد الراسخة والهوية التي تشير إلى أن الثقة المطلقة لا تعطى لغير الأموات .. الصامتين أبداً .. كمقدّس .

9 – لأن الوقاحة ليست أكثر من فعل ماض يريد أن يكون حاضراً .. لأن الوجود يتدفق بلامبالاة رائعة، أتساءل .. هل نؤسس على الحقيقة، أم على الأهواء والأوهام ؟..

أيمكن أن نكون حقاً في الوجود، وليس في التصور ؟..

يقول القوي: اللعنة هي أن تحاور في الغبطة .. ويقول الضعيف: اللعنة هي أن تحاور في الحاجة!.. وأقول:.. الحوار ليس لعنة بل غبطة وحاجة .. لكنهم سدنة الوساوس، لا وجود إلا في تصوراتهم، لا وهم إلا وجود الآخرين.. هم الكثافة الجاذبة، والمركز الأبدي.. هم النقاد والنص .. هم المرجع والغاية .. هم آلة تعيد إنتاج ذاتها في.. الهدر..

10 – لأننا لسنا العطر، نقول بأننا الجذور .. لأننا لسنا الحاضر، نقول بأننا الماضي .. لأننا لسنا الوجود، يمتصنا التصور .. لسنا أكثر من كائنات موعودة ومؤجلة .. كائنات لغوية لا نشعر بالنقصان، لأننا كاملون في التصور .. لا نشعر بالفناء، لأننا أبديون في الحياة الأخرى .. وكأننا تلك الرغبة المرتبكة على لسان الكائن .

11 – لم ينته الوقت .. كل ما تحتاج إليه .. حاسوب .. هاتف خليوي .. لتصبح أيها البدوي السادر في الأطراف لاعباً محتملا في حلبات المركز أيضاً .. لن تحتاج إلى الاستقرار .. العربة كافية .. هكذا تصير بدوياً الكترونياً خفياً .. شبحاً .. سراباً مخادعاً، لا يمكن الإمساك به .. نعم يا صديقي، أقمار الآخرين تعيدنا إلى البداوة، ولكنك ستحتاج إلى بناء متاهة أخرى غير امتداد الرمل .. لم تعد الصحراء أكثر من كلمة .

12 – البقاء لمن يقذف أبعد .. في اللغة .. في الطبيعة .. في الزمن .. وحده النبّال عرف كيف يخرّب قانون الاصطفاء .. الصراع العادل .. المصير الطبيعي .. منذ ذلك الوقت راح يظهر في اللغة كل ما هو مخبوء بعد النون والباء .. إذاً، كن نبّالا .. لن تندم .

13 – الألف الثالثة .. الرابعة .. الخامسة .. هل حللت المسألة الزينية قبل ذلك أيها البدوي ..؟ هل عبرت حقول ألغام الماضي ؟ .. لا تستغرب أن تجد نفسك ميتاً منذ زمن بعيد .. ربما قبل أن تولد .

14 – لا عنوان غير العنق .. سيحيط بكل عنق طوق إلكتروني .. بدلاً من الوشم الذي يدل على الهوية، سيكون الطوق الذي يحدد الدائرة .. النقطة .. الهدف .. بدلاً من حماية المركز بالأسوار، سيتم أسر الأطراف التي لم تقدر على إنتاج ثقافة تحملها إلى الزمن الحاضر .. نعم إنه الأسر يا صديقي .. إنها شفافية ما بعد نهاية التاريخ .. لا عجائز .. لا أطفال .. النسخ الباردة آتية .. كم أنا حزين من أجلك يا ضمائر اللغة كلها، وأنت تقلبين ساعة من الرمل لضبط المشهد .

أحمد اسكندر سليمان : كاتب وشاعر سوري

21/02/2012