وردة الغبار
” …. حددت أمي أضحية عيد البربارة قبل الموعد بعشرين يوماً . كلنا تعرفنا إليها , بما فينا تاج .
معرفة تاج هي الأهم . سلامة الديك الرومي هي مسؤولية مشتركه لكن الجميع يتنازل عنها لتاج الذي يضعه تحت رقابة صارمة . فأل نحس , كانت تعتقد أمي , فيما لو أصاب الأضحية أي مكروه . ومنذ أن صار تاج ولي أمر الطيور يحدد لها المسار ومدى الغياب ويخضعها لتدريباته اليومية على حفظ كلمة السر , ارتاحت أمي واختفى قلقها .
رقص تاج حين ركبت الاستقامة القصيرة لدرب الشمال . ناور حولي فرحا بتحقيق التزاماته كلها من مكان واحد , يجمعني فيه أنا والطيور ومباركة . زرعنا في الهواء صوتينا بالتناوب , وهو يرشد القطيع ويزن حركته المبعثرة وأنا أجرد مخزون الذاكرة الممتلئة . أتعبنا المشي فجلسنا . أمسكت بي جهة الجنوب . رأيتها واقفة بباب ظليل توميء لي . اختفى صوتي وتحررت لدي رغبه لزيارة المكان , لعل ما سمعته كان كذبا .
أدرك تاج مأزقي فاقترب مني . جثا ملتصقا بي . مد رأسه الكبير فوق حضني فملأه .
– هل حزنت على موت ناديا ؟
– تاج , أجبني .قل شيئاً.
– انظر إلي ألم تغرم بعد ؟
– إياك أن تخالط كلاب البرية . ستضر بك تلك الكائنات المتوحشة , ستجلب لك الأذى . هل تفهمني يا تاج ؟ هل ستطيع أوامري ؟ أرجوك , أفعل . كن صبورا . سأتبعك أنا حتى لو توحشت لكنك أنت الذي ستهرب مني . وقد تجعلني عدوك .
سأنصب مرصدي على السطح , أو هنا حيث نجلس , وأراقب زوابع الغبار على أطراف السهل المحدب فإن خرجت من مخاض الشكل وردة عرفت أنك فيها , تقاوم ببأس شديد أخر التحولات . سأمسك بعبيرك , يا وردتي , وأزحف . سيدلني العبير إليك لا محالة وسأغويك بهذا النشيد ..
وردتي , يا وردة الغبار .
هو ذا صدري جاهز .
صدري مشمس .
فيه أحسن الترب , صدري .
– تاج , قل لي إنك لن تفعل هذا . قل يا تاج , قل . ألست صديقا ملائما لك ؟ ألست مقتنعا بي ؟ آه , لو أنك أنت الذي تسألني .
تكلم يا تاج . انطق , الآن . لا تكفيني نظراتك . يجب أن تقول لي صراحة أنك تحبني وأنك لن تتركني أبدا . قل لست راضيا بأقل من هذا . اسمعني صوتك المطمئن , هيا .
الكائن الضخم , المحجوب بانزياح بسيط في الإشارات بعض مظاهر عبقريته الفذة , ازداد لينا وودا , وحشر بين فخذي خطمه . داعبته , مشطت وبره ونزعت من قفا أذنيه كرات الشوك الناعمة .
أدرت رأسه وجعلت وجهه مقابلا لوجهي , مثلما أحب دائما أن أفعل .
– تبادلني العهد , تاج ؟ تبادلني العهد بأن نكون صديقين طول الحياة ؟
أغمض الكلب عينيه وارتخى بين يدي .
– تعال إذا . هات يدك .
قلت له مادا كفي . تلفت حوله واستقرت عيناه المغزليتين في عيني . نهض واقفا وسحب من الأرض كفه ثم رفعها وعلقها بيدي . سقط الكتاب من تحت إبطي فأضحكنا . التقطه تاج بين فكيه ومشى به جنوبا !……”
من رواية ” وردة الغبار” نضال جديد – مهندس معماري . روائي سوري
عن دار التكوين للطباعة والنشر والتوزيع . دمشق ، سوريا .