عندما يوحى إليك ، قسريا ، من جهة معرفية ما ، سواء أكانت علوية ، أم سفلية ، تقوم بنسخ الموحى به ذهنيا ، فتحفظه عن ظهر قلب ، ثم تقوم بنسخه كصورة على جلد ، أو ورق ، لتثبيته كحقيقة مطلقة في محفوظاتك .! فما بالك لو كان الوحي مقدسا علويا لا يناقش ..؟!! هذا يستقبله عقلك بتسليم أعمى ، و يثبته كدعامة بديهية لمرتكزاته المعرفية . و إن كان الموحى به وهما ، هذا يعني أنك بنيت مرتكزات وعيك على أساسات من وهم ، و قتلت ، بتقبلك ، المطلق ، للموحى به ، عقلك المقارن . و حجبت السؤال عن عقلك الذي اعتاد التقبل ، و التلقي ، و عمل على أرشفة كل المعلومات التي تأتيه من الواحي له ، كذخيرة معرفية لا تقبل التلاقح ، و لا الانجاب المعرفي بسبب قدسيتها العقيمة الصنمية .!
هذا العقل العقيم ، الذي يشبه وعاء لمعلومات غير متلاقحة . لو طلبت منه ، أن يرفدك معرفيا ، ليس بوسعه أن يعطيك ما هو جديد ناتج عن تلاقح فكرتين ، لينتج الفكرة الثالثة التي هي رمز الميلاد ، و الخصوبة .. إنما يقوم بنسخ المعلومة الجاهزة المقدسة المطلقة الصنمية المؤرشفة في وعاء الذاكرة ، و يدفع بها كمن يتقيؤها كمنتج معرفي . لذلك ترى الشعوب المؤمنة بالوهم ، و التي أوحي إليها به ، ما هي إلا شعوب تقبلية لكل حالة متخلفة . و تستميت غالبا في الدفاع عن هذا العقل الاتكالي الذي ينتظر دائما ، أن تأتيه الحلول من جهة ما ، فوقية ، تقوم بدور المُلقي ، الوحي ، الآمر . فترى أن هذا النمط من البشر في هذه البيئة ، يولد هرما ، متعبا ، و منهوك القوى ، لأنه شائخ الروح و هو في سن الشباب . تلك الشعوب الهزيلة البناء الروحي ، و الجسدي ، لا تتقبل النقاش بثوابتها لأنها مقدسة ، فتصبح شعوبا نسّاخة للمعرفة ، آمرة ذكرية العلاقة ، فوقية ، غير متفاعلة لأنها تتمثل دور الذكر الموحي ، فتكونه في كل تجلياتها. فتنسخ معارف الآخرين نسخا دون أن تسمح لتلك المعارف بتلقيح ثوابتها. لهذا ليست مبدعة ، بل ميتة في دورها في بناء الحياة ، لأنها غارقة بالوهم و قداسة الخرافة ، و في الناتج ، ذكرية الوعي تفتقد للأنوثة في التفاعل لانجاب الحياة ، و قد بنت عقلها على هذه الأساسات البائدة ، فتستشهد دائما بماضيها الثقافي ، أو ثقافة الآخرين ، كما يحدث للمثقف ، أيضا ، الذي أنتجته تلك المجتمعات العاقر ، حيث يقوم بالاستشهاد ، دائما لتأكيد فكرته ، بالسلف الثقافي للعقل الغربي و الشرقي معا ، لأنه غير واثق بانتاجه العقلي المسلوب الإرادة بسبب جذر الوحي في ثقافته..! فهل ثمة من يقوم بهدم أساسات العقل الخرافي النسّاخ ، و يبني بدلا عنه أساسات ، و أعمدة علمية صلبة ، و مبدعة ، لا تتكيء على الوحي الوهمي ، ليعيد تشكيل العقل في هذه المنطقة المغدورة بروحانيتها و رموزها .؟؟
المصدر : الصفحة الشخصية للكاتب https://www.facebook.com/michael.zahra.7374