°
, March 28, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

بعضٌ من علم نفس الحب (1) د . صلاح نيُّوف

 

عندما يبدأ الحب، نود أن يكون أبدياً. بعد ذلك، وبمرور الوقت، غالباً ما نعتاد على فكرة أن العاطفة يجب أن تفسح المجال لعلاقة أكثر هدوءً وسكينة، حيث تختلط الصداقة الحميمة مع المشاعر المشتركة؛ في حال لم يحصل فشل يؤدي إلى القطيعة …قد تكون هذه النظرة إلى الحب في حالة تغير أو تحول. اقترحت الأبحاث في علم النفس الإيجابي ( الذي يدرس العوامل المحددة لصحة نفسية وجسدية جيدة) وجود حب يمكن للجميع تطويره خلال حياتهم، ومن هذا المنظور، فإن عبارة “تعلم الحب” ستكون منطقية جداً.

ما هو الحب الذي يشر إليه علم النفس هنا؟ إنه “العاطفة الأسمى”، وهو شعور لا غنى عنه بفوائد لا حصر لها، والتي تصبح من الممكن تنميتها بفضل بعض الأفكار أو الأفعال أو المشاعر الحميمة.

لكن ما هذا الحب الذي يدوم ويُشعِر بالرضا؟ ميز الفلاسفة القدماء ثلاثة أشكال من الحب أطلقوا عليها اسم (إيروس وفيليا وأغابي). يمثل إيروس الحب العاطفي والمتملك، الذي، على سبيل المثال، يوحد اثنين من العشاق؛ مصدر سعادة كبيرة إذا تم تقاسمها ومعاناة كبيرة إذا لم تكن كذلك. لكن مصيرها الطبيعي هو الزوال: فلا أجسادنا ولا عقولنا يمكن أن تتحمل شغفًا مزمنًا ومكثفًا لسنوات متتالية!

ثم تأتي فيليا، الحب الذي يريد سعادة الآخر (الحب العقلاني)، وليس سعادتنا فقط من خلال وجود الشريك. إنه موجود في الأزواج الذين يستمرون، ولكنه موجود أيضًا عند الآباء لأطفالهم. وبالطبع، الصداقة، تلك العاطفة من المعاملة بالمثل والاحترام والمشاركة. إنه حب إيثار ولكنه ما يزال قليل الملكية ومقتصر على الأشخاص الذين نحبهم.

أخيراً، أغابي، هو حب الإيثار بامتياز (حب غير مشروط)، بدون تملكٍ وبدون حدود. الشخص الذي يجعلنا نحب حتى أولئك الذين ليسوا قريبين منا، حتى أولئك الذين لا نعرفهم. الشخص الذي يجعل كل إنسان محبوباً كما هو.

الحب بالمعنى الواسع هو شكل من أشكال الاهتزاز أو التردد الإيجابي بين شخصين أو أكثر. إنها ليست مسألة حالة مستقرة، يمكننا أن نكتسبها إلى الأبد أو حتى لفترة طويلة، ولكنها مسألة ظاهرة عابرة، والتي مع ذلك يمكن إعادة تنشيطها وتجديدها إلى ما لا نهاية طوال حياتنا. نتيجة لذلك، فإن رؤية الحب هذه أكبر وأكثر انفتاحاً من رؤيتنا التقليدية، ولكنها أيضاً أكثر قابلية للتغير. إنه لا يمنع وجود حب دائم بين شخصين: لكن هذا الأخير يُبنى بعد ذلك على التجديد المنتظم لهذه اللحظات من “الرنين/الاهتزاز” العاطفي.

العواطف لا تدوم، ولا الحب يستمر أكثر من غيره، لكنه يتجدد، وتكرار لحظات الحب يغذي العلاقات، ويثريها، ويقويها، ويجعلها ممتعة للعيش والمشاركة.

تُظْهر الدراسات النفسية التي أجريت على الأزواج السعداء والصحيين أنهم غالباً ما ينخرطون في أنشطة معاً تؤدي إلى مشاركة مشاعر ممتعة: الرقص أو ممارسة الرياضة أو بشكل عام اكتشاف أشياء جديدة معًا أفضل من الذهاب إلى مطعم أو مشاهدة التلفزيون ليلاً. على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن الأزواج المكلفين بمهام عشوائية شعروا بمزيد من المودة لبعضهم بعضا عندما كانت تلك المهام تنطوي على اتصال جسدي وتزامن، وكانت غريبة أو غير عادية (المشي في نفس الخطوة أثناء التعلق ببعضهم بعضا، إلخ.).

التفاعلات الإيجابية بين شخصين تسبب الترددات بين دماغهما، على سبيل المثال علامات التزامن فيما يسمى “الأنسولا” insula، وهي منطقة دماغية مخصصة بشكل خاص للعواطف والوعي بالجسد، ويتم تنشيطها أثناء التفاعلات الاجتماعية. وكلما زاد الاستماع، والتشارك والحميمية، باختصار، الحب، زاد الاقتران بين الدماغين. إن هذا البناء المشترك للرابط الإيجابي “فعلاً منفرداً ينجزه دماغان”.

كيف يتم الترويج لهذه اللحظات عندما نكون في مرحلة معينة مع الآخر؟ يعطينا علم النفس الإيجابي قواعد أساسية. الأولى تقوم على العاطفة والإيثار. يرتكز الحب الواسع هنا على حقيقة أن الزوج (ة)/الشريك (ة) قبل كل شيء آخر يجب أن يُهتم ويُعتنى به، في عملية مشاركة فيه الكثير من العطاء. إن تخصيص وقت للاثنين معا، والاستماع إلى الآخر، وإمكانية اللقاء الجسدي بانتظام هو أساس أي علاقة دائمة. نحتاج أيضاً إلى سياق مطمئن وآمن. نتعرف على كيفية إنشاء معالم المكان والزمان التي توفر استمرارية وحماية معينة. أخيراً المشاعر الإيجابية التي نشاركها لها دور حاسم. الضحك معاً، والقيام باكتشافات مفاجئة، وما إلى ذلك، هي ضمانات لحب يدوم.

يتبع….