هذا ” النظام ” يتمتع بمركزية القرار وشموليته ،وهو “ نظام ” مُركَّب كاملاً على هذا النمط في الإدارة وفي كل مستوى ، إدارة أُسُّها ومحورها فرد ، لذلك لا يمكن واقعياً أن يقوم هذا ” النظام ” بالسماح لأي جهة بمشاركة هذا الفرد بصلاحياته المطلقة دستورياً , وغير الخاضعة للمساءلة ، حتى لو كانت هذه الجهة أعضاء قياديين من حزب البعث العربي الإشتراكي ! فما بالك براغبين بالتغيير..!
هذا أمر يجب أن يؤخذ بجدية في فهم رفض وفد الأسد الإبن في جنيف الدخول بل الحديث عن أي مشاركة في السلطة ، بموجب القرار الأممي المتضمن هيئة حكم إنتقالي كاملة الصلاحية تحظى برضا الطرفين ، وهي هيئة حكم إنتقالية لا تُقصي أحداً أو جهة ، وتُكرس فكرة لا غالب ولا مغلوب بشكل كامل وقسم منها سيضم شخصيات وقوى غير مصنّفة مع الطرفين ” رغم ضبابية هذا الأمر واقعياً ”
وفد الأسد في جنيف يُدرك هذه الحقيقة ولكنه لا يتصرف كفريق سياسي يُمثِّل قسم من السوريين ، بل كمندوب للأسد الإبن ويمنع تطبيق هيئة الحكم الإنتقالية تلك ، لأنها تقتضي حكماً إستبعاد الأسد الإبن، وكذلك متهمين أخرين في الجهة المقابلة قاموا بإرتكاب جرائم مصنفة دولياً جرائم حرب بذريعة الثورة ، تُشبه قيام الأسد الإبن بإرتكاب جرائم مصنفة دولياً أيضاً جرائم حرب !
في الوقت الذي لا يمكن واقعياً ودولياً وقانونياً وأخلاقياً إعفاء أحد مجرمي الحرب أو أحد الطرفين من المسؤولية فكيف يمكن قبول مشاركته في حكم .حيث أن بالقبول بذلك يمكن تخّيل وجود شراكة مُفترضة في ” حكومة وحدة وطنية ” تضم الأسد الإبن والجولاني أو أحد صوره مثلاً ، وبالتالي القبول بأحداً منهما شريكاً مقبولاً مع إعتبار الأخر مجرماً بذات الوقت !
وفد الأسد الإبن يُدرك هذه الحقيقة كما دول كثيرة داعمة للأسد الإبن تُدرك هذه الحقيقة فتحاول حلّ هذه العقدة عبر تجاوزها من خلال البدء بتضمين مفهوم ” الحكم الإنتقالي” أربع سلال لتمييع الأمر من جهة ولإيجاد ثغرة في العقبة الأساسية لإعادة تعويم الأسد الإبن بعد ما إرتكب من جرائم مصنفة دولياً جرائم حرب ! .
فمثلاً سلّة الأمن والإرهاب وقع ” نظام ” الأسد الإبن في حرج فهو يريد إبقاءها ومن ثم فتحها لتحقيق هذا التمييع للأمر الأساس في هيئة الحكم الإنتقالي ، وبنفس الوقت أعلن الإنتصار في معركته على الإرهاب ! كما أعلنت روسيا ذلك ! وبالتالي لا داع واقعي لبقاءها كما لا يمكن إعادة تسويق هذا الداعي طويلاً ! وإن ظهرت فجأة داعش في دمشق وأحتلت أربعة أبنية وفي ريف حماه الشمالي تساندها قوّات من الجيش من اليمين واليسار والخلف وتحميها الطائرات الروسية في فترة الأسبوعين الأخيرين !
سلّة العملية الدستورية وسلّة الإنتخاب يريد الأسد الإبن والسيد بوتين ” حيث تربطهما علاقة مالية أيضاً ” تجاوزها من حيث كونها عملية تحوي ترتيبات متفق عليها بالتسوية السياسية من قبل كل الأطراف تُمهّد لإجراء إعلان دستوري ( بعض أطراف ” المعارضة ” ستقوم لاحقاً بطرح مفهوم تعديل الدستور إمتثالاً لإرادة روسية بهذا الصدد وهو سيكون عامل معيق إضافي لاحقاً ) … بدون الأسد الإبن
يُريدان تجاوزها عبر إعتبارها مرحلة تتم بوجوده وتحت إشرافه ويشترك بل وسيتم مساعدته دولياً عبر رقابة دولية للفوز بها ، حتى ولو لم يحصل على صوت واحد !!
فبذلك يتم اللعب على سرقة مصدر الشرعية القانونية ( الإرادة الشعبية المتمثّلة بالإنتخاب ) وتضم الى مظاهر الشرعية من عَلَم وسفارات وموقع رئاسة وقيادة جيش وقوات مسلحة وسفراء … الخ التي ما زال الأسد الإبن يحتفظ بها رغم فقدانه الشرعية المجتمعية .
فتكتمل دائرة تسويق الأسد الإبن وإعادته للمشهد كقائد تاريخي بعد ذلك، والأمر جاهز إعلامياً وسياسياً لتظهير ذلك عندما يتم الإنتهاء من حل هذا المأزق الأخلاقي – القانوني- السياسي المتعلق بالأسد الإبن الآن . و حيث بإنتخابه مرة أخرى من قبل ” الشعب ” يُعفي المجتمع الدولي والدول ذات التأثير والإنخراط في الشأن السوري، خاصة أولئك الذين يُسمّون أنفسهم أو يحلو لبعض السوريين ” المعارضين ” تسميتهم ” أصدقاء الشعب السوري ” …
يُعفيهم من تلك المسؤولية بكل أبعادها، بإعتبار أن ما جرى شأن سوري بالأول والأخير والسوريين ” إقتتلوا ” والسوريون ” تصالحوا ” وأجروا تسوية وبمحصلتها جرت انتخابات و” فاز ” الأسد الإبن بإعتباره يحظى ب ” رضا ” غالبية ” الشعب السوري ” أو على الأقل : ” تمّ إختياره كونه الأفضل في لعبة معادلة مفاضلة الديكتاتورية عن الإرهاب !
وبذلك يتم التصديق والضمان النهائي على معاهدات كثيرة اقتصادية وأمنية واستراتيجية وقعها الروس والإيرانيون مع الأسد الإبن على حساب الدولة والوطن والشعب السوري كَبّلته لخمسين سنة لاحقة على الأقل . ويتوجون إنتصار سعوا إليه من خلال تدخلهم في سوريا هروباً بالأصل من استحقاقات داخلية في دولهم متعلقة بالتنمية والإدارة والحياة السياسية الداخلية !
وبنفس الوقت تضمن إسرائيل والولايات المتحدة استمرار” النظام – الأسد ” خلفاً عن أبيه ” القائد الخالد ” بالإلتزام ب ( ” إحترام إتفاقية الهدنة ” وهنا يمكن الحديث عن لعبة مزدوجة يتشاطر فيها الأسد الإبن خلفاً عن أبيه في مزاوجة ذلك مع كونه قائد محور المقاومة لتحرير الأراضي العربية المحتلة!! ) الناتجة عن التسوية التي جرت عقب ” حرب تشرين التحريرية ” تشرين أول 1973 التي لا يعرف واقعاً المساحة والمناطق التي حررت بموجبها !
والتي هي بالأصل مستندة الى حرب حزيران 1967 ذات الأيام السبعة التي ” خسر- سلّم ” فيها وزير الدفاع السوري حافظ الأسد هضبة الجولان كاملة مع جبل الشيخ لمصلحة إسرائيل !.
وكذلك يكون الأسد الإبن قدّم خدمة جديدة – جليلة لإسرائيل تعادل ” خسارة – تسليم ” الأسد الأب الجولان لإسرائيل ، وهي قيامه بما عجز عن تنفيذه ” جيش الدفاع الإسرائيلي ” لإعتبارات عدة خلال عقود ضد سوريا الوطن والدولة والشعب !
وهو تدمير شبه كامل للبنية التحتية والفوقية السورية وقتل حوالي مليون سوري وإعاقات بكذا مستوى لحوالي مليونين ونصف المليون سوري وترميل مئات ألاف السوريات وتيتيم مئات ألاف السوريين إضافة لعشرات ألاف من الأطفال مجهولي النسب بسبب سفاح القربى بالمخيمات أو الزواج بموجب عقود زواج عرفية من قبل مقاتلين أجانب بما فيهم عرب على شاكلة الإرهابي المحيسني ، بل كثير منهم غير معروف بكنية لجهة الأب !
طبعاً مع سوء فهم تاريخي بين جميع السوريين في بلد مـركّب كسوريا بالأصل لم ينشغل بها قبلاً على أي مستوى من مفردات العقد الإجتماعي !
وكذلك تضمن تركيا مصالح وطنية لها ، كضمان الملف ” الكردي ” و التعاون الأمني مع ” النظام “بما يخص ذلك وغيره … وكذلك مياه و أراض مقتطعة … الخ
بالنسبة للخليج فيكون قد أزاح عن صدره وكتفه وقلبه ” هم ” السوريين وأزاح هاجس إنتقال الرغبة بالتغيير الى ربوعه المستقرة منذ عقود وتجاوز مسألة الإستثمار في الموات السوري خراباً وبشراً ..
الغرب عموماً ميّال للأسد الإبن وإن بدا المشهد في أحسن حال أنهم يمسكون العصا من المنتصف وإذا مالت لمصلحة السوريين فتكون عبر مساعدات ” إنسانية ” تقدم عبر منظمات يأخذ ” خبراؤها ” المتمتعين بجنسيته الحصة الأكبر والباقي يوزع توظيفً محلياً خارج الحكومة المؤقتة !
من الضرورة فهم كل ما تقدم خارج مفهوم ” المؤامرة ” أو محبتهم للأسد الإبن من عدمه ، بل إنطلاقاً من فهم هذه القوى لمصالحها الوطنية مع بقاء هامش فساد مقبول يمارسه سياسيوها ، عند تأدية أعمالهم الحكومية ، لمصلحتهم الشخصية ، وهو فساد بطبيعة الحال يُستغل أفضل إستغلال من قبل مافيا علاقات عامة مرتبطة بالأسد في أوربا ، ولكنه فساد لا يؤثر بشكل حاسم ونهائي على سياسات تلك الدول …
هذه التفاصيل وغيرها هي ” قتال شوارع سياسي ” عند كل زاوية ومنعطف وفق مساحات ضيّقة للغاية وعلى ” المتر المربع السياسي الواحد ”
لذلك على كل سوري وسوريّة سواء أكان من الراغبين بالتغيير للوصول لدولة القانون بعيداً عن الديكتاتورية ، أو يقف مع الأسد الإبن مُعتبراً نفسه بذلك مع ” الدولة ” .. أن يعي هذه التفاصيل ويبني موقفه عليها لأنها تمثل بمألاتها خطر وجودي علينا كسوريين وكسوريّات وتضعنا جميعاً في مهب الريح والأسد الإبن سواء إعتبرناه ( مجرماً ، أو رمزاً وقائداً في محور المقاومة، أو أحمقاً ، أو زعيماً ثورياً عربياً يواجه الأمبريالية و الصهيونية والإستعمار ، أو مخطئاً، أو مدافعا ً عن الدولة ) بمآل فعله وسياق الأمر ساهم بذلك عير منعه الحل السياسي الذي كان له أن يُعفينا من مجمل ما تقدم ، والآن من تفاقم يومي يحصل كل ساعة .