°
, December 7, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

مقاربة أخرى للمسألة الطائفية في المشرق و سوريا. الدكتور اليان مسعد

-الطائفية الحادة التي نلمسها بسوريا اليوم بالمنظور العلماني للطبقة الوسطى. هذه الطائفية التي قد تبدو مغرقة في حدتها ، ما هي الا الانعكاس الحقيقي للتعددية التاريخية السورية. فالتعددية السورية التي وجدت في الطائفية الدينية منقذا و منفذاً مفضل لإطلاق كوابحها ومكنوناتها المكنوزة قديماً، فلأن النضج البشري العقلاني القديم لم يكن قد وصل إلى سن الرشد الذي عرفه العالم حاليا خاصة بعد عصر الأنوار، لم تحظ بما تستحق من منافذ تتيح لها التعبير الحضاري عن ذاتها. في كل دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تعددية طائفية غير سياسية لكنها من ناحية اخرى غير أصيلة، بمعنى أنها لم تنشأ على أرضها الحقيقية لذا لم تكن متجذرة بقوة ما هو موجود عندنا ، ومن ناحية أخرى، لعبت السياسة العقلانية في تلك الدول في إفراغ التوتر الطائفي من شحناته السلبية عبر تحويله إيجابياً إلى تنافس سياسي.
والمسألة الطائفية السورية، التي تبدو مشكلة عصية على الحل اليوم، هي بالمنظور العلماني للطبقة الوسطى قضية معرفية أولاً وأخيراً وحلها لا يكون بغير المعرفة. فالطوائف السورية بنظرنا هي نوع من التواصلية لتراث قديم كانت له مميزاته الخاصة، ثم حاول الانسان لدينا ادامة تلك الميزات عبر إعطائها الصبغة الدينية-الطائفية؛ إن ثقافات الطوائف التي كانت دوما تعبير عن هوية ما هي الغنى الأهم في التراث المعرفي السوري، لأنها كما قلنا الاستمرارية ذات المظهر الديني للتيارات الثقافية والشخصيات الشعبية التي ظهرت في سوريا منذ زمن مغرق في القدم وهنا نتكلم عن الاف الاعوام وليس المئات لكن الاستمرار في مقاربة الطوائف ميثولوجياً في زمن العقلانية هو خطأ معرفي لا يغتفر. والحلّ الأمثل لمعضلة الطائفية التي تبدو عصية على الحل حتى اليوم هو الدخول فيها من باب التراث الثقافي لا الانتماء الديني أو المذهبي. ومناقشة الطائفية كقضية ثقافية تراثية و معرفية لا كمسألة غيبية، وهذا لا يتم إلا عبر تقديم التراث الأدبي والمعرفي والفولكلوري الغني للطوائف ، بشكل علمي حيادي، لكل طائفة على أساس أنه عنصر مكون و تكويني ساهم ويساهم في بناء الهوية السورية.ونعتز بهم جميعا
واما دور الدين في الحياة. فانها بالمنظور العلماني للطبقة الوسطى تؤمن بقدرة الدين على لعب دورا ايجابيا ومشاركا في تحقيق النهضة والتقدم بالمجتمع، وحب الإنسان لاخيه و تعزيز قيم المواطنة والتآخي، و على أهمية تجديد الخطاب الديني واصلاحه بما يعكس قيم العمل والتكافل والتسامح، وبما يؤدي إلى تحقيق العدل والمساواة، ويضع الأساس الصلب لمجتمع يحترم الإنسان الفرد ويقدس حريته التي لا تتجاوز حريات الآخرين وعلى أساس القانون الذي يفصل بين حدود حرية الافراد .