°
, March 29, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

من تاريخ اللاذقية

مقتطفاتٌ من كتابِ (الجوهرة الذهبية في تاريخ اللاذقية)

الأركيلة:

أولَى العلامات الفارقة في تاريخ اللاذقية هي الأركيلة، ولعلَّنا لا نبالغُ لو قلنا: إنَّها من خصائص تراث مدينة اللاذقية.ولا نعلمُ تاريخاً محدداً لوجود الأركيلة في اللاذقية، وإن كانت اللاذقية من الدول المشهورة تاريخياً بإنتاج التبغ، فيذكر الرحَّالة الفرنسي جوزيف ميشو رجان بوجولا؛ زائر اللاذقية في نيسان عام 1831م أنَّهُ (يتاجر أهل اللاذقية بالتبغ مع البوسفور ومصر ويأخذونَ الحنَّة بالمقابل). ولعلَّها دخلت إلى اللاذقية في عصر العثمانيين، فأصلها يعودُ إلى بلادِ فارس، ويقال: بل من وسط الهند، ثم انتقل استخدامها إلى شبه الجزيرة العربية لكنها انتشرت عالمياً خلال المرحلة العثمانية· والأركيلة من العلامات الفارقة في مقاهي اللاذقية وخاناتِها منذ القِدم، بل نجدها حتَّى يومنا هذا بين رجالها ونسائِها.

مقاهي اللاذقية في ذاكرة التاريخ:

عموماً كانتِ المقاهي صغيرةً وتقدِّمُ للزبائن المشروبات الساخنة كالقهوة والشاي والزهورات، إضافةً إلى الأركيلة، وكان يتنقلُ بين (الأراكيل) حامل النار (الفحم المشتعل) مع منقله النحاسي لإبدال النار عن رأس الأركيلة، وجدير بالذكر أنَّ التنباك العجمي هو المشهور آنذاك لا المعسِّل كما في أيامنا، وكان الناسُ يجلسونَ على كراسٍ خشبيةٍ وفرشُ المقعدِ من قشٍّ، أو من كراسٍ خيزرانيَّةٍ.

ومن أهم سمات المقاهي آنذاك تقديم (الحكواتي)، والذي يقوم مقام التلفاز في أيامنا هذه، ولاتتفرّدُ اللاذقية بشخصية (الحكواتي)، بل هي في كل مقاهي سوريا في القرن التاسع عشر حتَّى منتصف الخمسينيات، وكان (الحكواتِي) يروي السير الشعبية كسيرة (عنترة بن شدَّاد) و(الزير سالم)، و(سيرة بنِي هلال).

وقد تواجد الحكواتي في عددٍ من مقاهي اللاذقية مثل: مقهى (زهر الفول) و(الشيخ ضاهر) و(القواص) و(سوق الداية) و(القهوة الجديدة).

ومن الشخصيات المشهورة في اللاذقية والتي قامتْ بدور الحكواتي:

1 – (الخبَّاص) ولا يُعرفُ اسمه الحقيقيُّ، وقد قدَّمَ قصص عنترة وأبي زيد الهلالي والضاهر، في مقهى أبو سالم غضبان (حي الصليبة) و(سباهية) و(الشيخ ضاهر) وحنونة (سوق بيت الداية) والشلا (في حي القلعة).

2- (محمود غريب).

3- حسن الحكواتي (أبو محمود).

كان محمود غريب وحسن الحكواتي يقدِّمانِ حكاياتِهما في مقهى اليغري وسباهية والسوركة.

4 – الفلسطينِي أبو روحي الذي كان يُمثِّلُ الشخصيات من خلال حوار القصة، ليُعبِّرَ عن المواقف كالممثلين في هذه الأيام.

5 – في عام 1930 م، أدخل فنان رسام اسمه (خالد الكراكيزي) على المقاهي فناً رفيعاً اسمه (الكراكوز وعيواظ) وكان يرسم الأشخاص ويزخرفها على الكرتون ويقصها بأشكالٍ إنسانيةٍ تركب حصاناً أو تحمل سيفاً، ويتكلَّمُ عدَّةَ لهجاتٍ محلية ويقلِّدُ الحيوانات وراء قماشٍ أبيضَ مشدودٍ يقع خلفه ضوءٌ ساطعٌ يسقط على القماش ظل الشخوص التي يحركها بيديه (وهذا هو خيال الظل حديثاً).

6 – ولا يقل أهميةً فنيةً عن (خالد الكراكيزي) زميله (أحمد الطرابلسي) الذي كان يقدم القصص في المقاهي نفسها وبالتناوب مع زملائه الحكواتية.

من مقاهي اللاذقية القديمة:

وأشهر المقاهي التِي كانت في مطلع القرن الماضي العشرين:

1 – مقهى أبو سالم غضبان: و كان موقعه في محلة الصليبة، وكان صغيراً يتألف من غرفةٍ مستطيلةٍ، وكان الزبائن يجلسون أمام المقهَى.

2 – مقهى سباهية: وكانَ موقعه في المدخل الرئيسي من الشيخ ضاهر أول شارع عمر ابن الخطَّاب حالياً، وكان يديرهُ (أبو عمر محمد ماشطة).

3 – مقهى حنونة: وموقعه في سوق بيت الداية قرب جامع الجديد.

4 – مقهى الشلاَّ: وموقعه في محلة القلعة.

5 – مقهى اليغري: وموقعه في محلة الأشرفية.

6 – مقهى السوركة: وموقعه في محلة الصباغيْن، مقابل باب جامع الشيخ ضاهر حالياً وسُمِّيَ بالسوركة لوجود بائعي السوركة “الشنكليش” مقابله.

7 – مقهى زهر الفول: وموقعه في محلة الصليبة، والجدير ذكره أنَّهُ في عام 1933م أُدخل الفونوغراف إلى المقاهي ترغيباً للزبائن، وكان (عمر زهر الفول) قد استأجر الراديو من صاحبها (الحاج توفيق جمال) بمبلغ ثلاث ليرات يومياً ليضعه في المقهى.

8 – القهوة الكبيْرة: وموقعه في سوق الدلاليْن.

9 – مقهى الشغري: ومكانه خلف مبنَى البلدية (شعبة الحزب الثانية)، وهوَ موجودٌ حالياً ولكنَّه لم يعدْ مقهىً.

كما كان في محلة الأسكلة (المينا) أكثر من مقهىً شعبِيٍّ داخل المينا وخارجها كمقهى البطرني ومقهى المينا.

العصافيري:

من مقاهي اللاذقية الشهيرة في حي الأميركان،

ومن أهم مزاياه الإطلالة الراقية على البحر قرب المرفأ.

والذي لا يعلمه العدد الكبير من أهل اللاذقية – المعاصرين- أنَّ تسمية المكان نسبة لقبر رجلٍ درويشٍ يُدعى (العصافيري)، واسمه (محمد)، ويقال: أصله من جزيرة (أرواد)، وكان من أشهر دراويش اللاذقية في أواخر العهد العثماني، وقد توفيَ حوالي عام 1898م، ودُفن في مقهى العصافيري، وقبره مشهورٌ داخل غرفةٍ مغلقةٍ. سبب تسميته بالعصافيري اعتقاد الناس أنَّه صاحب خطوة ينتقل من مكانٍ إلى آخر كالعصافير، أو لأنَّه من بلاد العصافير (أفغانستان أو باكستان) كما يُقال، والصحيح أنَّه من (أرواد) لكونه لم يعرفْ غير العربيةِ. ومما يحكون عنه: مرافقته الجمَّالة وسبقه لهم للمكان المقصود! يروي أناسٌ من اللاذقية أنَّهم رأوه في طرابلس مرةً، فطلبوا منه مرافقتهم إلى اللاذقية، فاعتذر بأنَّ الوقت مبكرٌ لعودته وسيتأخر في طرابلس، ولما وصلوا اللاذقية وجدوه، ولا ننسى أنه لم تكن هناك لا طائرات ولا سيارات ولا قطارات! كانت إقامة العصافيري في بيت (زيادة) في حي الشيخ ضاهر، وكذلك في بيت الحاج (إبراهيم خلاص) في شارع الدمياطي (القوتلي حالياً). وقيلَ: كانتِ النسوةُ تقصدنهُ فيدقُّ على ظهورهنَّ فيحبلْنَ ببركتهِ، أو لرقيِّ أولادهنَّ المرضى فيشفونَ!!!! يزعمُ بعض كبار السن في اللاذقية أنَّه زمن الانتداب الفرنسي حاول أحد الضبَّاط هدم قبر العصافيري، فظهر له في المنام وقد وضع حربةً في عنق الضابط وقال له:

“إنْ حاولْتَ لمس قبري غرزْتُ هذه الحربة في قلبِكَ وقتلتُكَ”.

فأفاقَ الضابطُ مرعوباً وانصرف عن فكرة الهدم نِهائياً

ويخطر في بالي سؤال: كيف تكلَّم العصافيري بلغة الضابط الفرنسية حتَّى فهمه الضابط؟ أم أنَّ الضابط هو من كان يتقن العربية؟ ويبقى السؤال بلا جواب!

الدَّبجيَّات:

هل سمعت بالدبجيات قبلاً في تاريخ اللاذقية؟

إن كانَ لا … فهي قريبةٌ منك جداً.

فقدِ اعتاد أهل اللاذقية تحدِّي بعضهم البعض ولو على سبيل المزاح.

فأهل الصليبة مثلاً قديْماً كانوا يقولون لأهل الشيخ ضاهر – وكان بينهم تفاخر – :

نحن نحن الصليباوية

وياللي بدوا يتحدانا

يلا قينا عالدبـجيَّة

وأمثال هذا التحدي والكلام لا زال شائعاً في لسانِهم، وإن كان لا يخرجُ عن المزاح.

الدبجيَّات : هي القسم الجنوبي الأخير من تلة الطابيات مما يلي مشفى الطابيات. وحالياً تقوم مقامها بنايات الإسكان الجديدة، وهي من المناطق الجميلة جداً لإطلالتها على البحر من جهة الكورنيش الجنوبي، ولإطلالتها على الصليبة ومشروعها من جهةٍ أخرى، ولحسن تنظيمها في شكل بنائِها وتنظيم طرقِها، وكانت قديماً مكاناً مُقفراً خالياً عبارة عن أحراشٍ بعيدةٍ غيْر مأهولةٍ بالسكَّانِ، ولا يسكنها أحد.

بل كانتْ مكاناً يقصده أهل اللاذقية للتنـزه (سيبَانة في لسانِهم). وفي ذلك يقول الشاعر عبد الرحمن المحمودي في قصيدة مشهورةٍ له عن أماكن اللاذقية في ديوانه (المغناطيس في الغزل النفيس):

على (الدبجيَّة) ارتفعَ الحبيب ** وفي (مَرْجِ الذُّبابِ) خلا الرقيب

ودامَ لنا الصفاءُ مُسـتطيبْ ** وعاذِلُـنا بهِ أضحَى ذُبـَابـَا

حمَّام العوافي:

وهو من الحمَّامات المشهورة قديماً في تاريخ اللاذقية.

وأُنشِئ حمَّام العوافي بِجانبِ زاوية الفتَّاحي في الصليبة، أوائل القرن الحادي عشر الهجري، ومِمَّا جاءَ في وصف الحمَّامِ من خلال وثيقةٍ تعود إلى عام (1136هـ-1723م).

ولكن له حكايةٌ طريفةٌ في خبر إعراض الناس في اللاذقية عن الاستحمام به. فقد قيل : سبب تَهدُّمه وخرابه أنَّ فتاةً جميلةً دخلته وسط زفَّةٍ حافلةٍ من أهلها وصديقاتِها استعداداً لزفافِها، وبعد ان أتمَّتِ اغتسالها وقامت والدتُها بتزيـينها وتطييبها بالرياحين وماء الورد وسط الزغاريد والراقصات المحتفيات بِها، وفجأةً اختفتِ العروس وسط حشد النساء، ونسبوا اختفاءها إلى الجنِّ، ولكنَّ الواقع أنَّ العروس فرَّتْ مع عشيقٍ لها إلى بلدٍ آخر واعدته اللقاءَ فيهِ.. وكانتِ الحادثةُ شؤماً على الحمَّام وصاحبه، وخشيت النساء إرسال بناتِهنَّ إليه، فأقفله صاحبه! وعندما شقتِ البلديَّةُ في عام 1975م شارع الإسكان قرب ساحة العيد في الصليبة ظهرتْ أحواض الحمَّام وأقبيته المطمورة بالتربة على عمق أربعة أمتارٍ، كما عُثِرَ على عددٍ من الأباريق الفخاريَّة وبلاطةٍ رخاميَّةٍ. هناك قصيدةٌ مشهورةٌ في بطون كتب التاريخ للشاعر اللاذقي (عبد الرحمن المحمودي) ، يذكر فيها أماكن مشهورة من اللاذقية، وهي على شكل نصٍّ نصٍّ من الأدبِ الشعبِيِّ على شكلِ أدوارٍ وعتابياتٍ، ومنها:

أَعْـدِدْ مَا إليْـهِ غَـدَا الذَّهَـابَا ** مَعَ الأحْـبابِ طَـرَاً والصَّحَابَـا

إلَـى (المسعودِ) سيِّدِنا ابْـنِ هانِي ** تَـوجَّـهْـنَا جَميـعاً فِي أَمـانِ

فَـنَادَيْـناهُ يَـا غَـوثَ الزَّمـَانِ ** بِنـا فاشْفَـعْ غَـداً يومَ الْحِسابَا

(بِـراسِ النبعِ) واصلنِي حبيـبِـي ** وفِي (عيْـنِ البحرِ) أطفا لَهيـبِي

وفِي (القَـلْعَـةِ) أكلْنا كلَّ طِيبِ ** و(بِـالفاروسِ) فِـيهِ غدا الشرابا

وَثُـمَّ ومِـنْ هناكَ إلى ( البطرْنِي ) ** مَـغَـازي الْمشركيْنَ ومَنْ يزرنِي

أُنَـاديْـهِ: ألا دومـاً أجـرْنِـي ** فإنِّي إلـيكَ قَـدْ حُـزْتُ انتسابا

لقلعةِ (دِغْـري وَرْدي ) قَدْ رحلنا ** وفِي (افشيفيشْ) هُـنالكَ قدْ أقلنا

(بِـصدرِ البـازِ) واشِـيْنا قـتلْنا ** وفِي (الصَّيـْريْجِ) أتُـونَـا الحبَابَا

وفي (اسْـكنْـتُورنا) دارتْ حُمَـيَّا ** أدارَ كُـؤوسَـها بَـاهِي الْمُحيَّا

إلَى (شيْـرالـوقِـيَّةِ) نَادى هيـَّا ** هُـناكَ (سَنْـكَلِـكْسُ) الماءِ طابا

على ( الدَّبَـجيَّةِ ) ارتفعَ الْحبِـيبُ ** وفِي (مَـرْجِ الذُّبابِ) خلا الرَّقيبُ

ودامَ لَـنا الصفاءُ مُسـتَـطِـيْبُ ** وعَـاذِلُـنا بهِ أضْـحَى ذُبـَابـَا

(بِطابِـيَّاتِ) خَـضْرِ الحيِّ غَـنَّـى ** مُـغنِّـيْـنا أزالَ الْـهمَّ عـنَّـا

ومِنها إلَـى أبِـي الدَّرداءِ زرْنــا ** مَـقَـاماً عَـالياً قُـطْـباً مُهابَا

بشيْـخِ أبِي سعيدٍ إنَّـا قَـدْ وقفْنا ** وبالـبَـارِي وفيهِ قَـدْ حـلفْنا

جَـميْـعاً إنَّنَا نَـرعَـى سَـلفَـنا ** ونَـرعَى كلَّ من يـرعانا القرابَا

ومنها إلى مُـقـامِ ( الْـمُـغربِي ) ** مُحـمَّـدِنا الولِـي ابنِ الولِي

مَـكثْـنا فيهِ إلَى وقْـتِ العَـشي ** ومِـنهُ لَـقدْ تَـفرقتِ الحبابا

احتفالات الختمة في اللاذقية:

كان للكتاتيب المسلمة والمسيحية دورها الكبيْر في الحركة الثقافية والتعليمة في اللاذقية، خاصةً في القرون الوسطى حتَّى منتصف القرن العشرين. وعندما يفرغ الطالب من ختمة القرآن الكريم كان يُجرى له احتفالات الختمة. وكان لهذه الاحتفالات طابعٌ شعبِيٌّ خاصٌّ بأهل اللاذقية. فعندما ينتهي الطفل من ختم القرآن الكريْم قراءةً لا حفظاً، فيجهز له احتفالٌ بِهذه المناسبة، ويكون الاحتفال من قِبل التلاميذ، ويبدأ الاحتفال من المكتب (الكتَّاب)، فيخرج التلاميذ برفقة معلمهم، يتقدَّمهم التلميذُ (الخاتِم)، وقدِ ارتدى لباساً جديداً مطرزاً وهو على ظهر فرسٍ مُزيَّنةٍ، ومن حوله رفاقه المرشَّحون للختْمة التالية، وينقسم بقية التلاميذ قسميْنِ لِحمل الرايات والقماقم التي فيها ماء الورد والمباخر والدفوف والصنوج، وهم ينشدون بالتناوب مع التلاميذ المتقدميْنَ الذينَ يُمثلونَ الجوقةَ في المسرحِ:

اللازمة:

بُشرى قدْ فاحَ شذا العطرِ *** في روضِ القـارئِ والمُقرِي

وفُـتُـوحٌ لاحَ وإرشـادٌ *** بعلوِّ الـهِمَّةِ واليُــسْرِ

الأدوار:

يـا أُمَّ الْخَـاتَمِ بُـشراكِ *** فِي نَجْلِكِ ذي الفهْمِ الزَّاكِي

فِـيْـهِ أولاكِ مَــولاكِ *** نِعَماً قدْ جلَّـتْ عَن حَصْرِ

تكرار اللازمة

جِئْناكِ نُـهنِّئُ بِالْخِـتْمةْ *** وبِـما خُـوِّلْتِ مِـنَ النِّعْمةْ

فاللهُ يَـزيـدُكِ يَـا أُمَّـهْ *** فِـيْـهِ عِـزاً وعُـلا قَـدْرِ

تكرار اللازمة

جِئْنا بِـدرارٍ مَـنْـضودةْ *** وَكَـراسِي الْخِـتْمةِ مشدودةْ

وبيَـارِقُ عِـزٍّ مشـهودةْ *** تَـزدانُ وتَـزهُـو بِالبِـشْرِ

تكرار اللازمة

ويعيدون النشيد ويردِّدونه حتَّى يصل الموكبُ إلى بيت التلميذ، فيستقبله الأهل والجيران – ويذكر لِي أبِي أمه رحمهما الله وقد خرجت مع نسوة الحارة ابتهاجاً – وتبدأ النساء بالزغردة ورشِّ ماء الورد على الرؤوس، ويجلسُ التلميذُ والمعلِّمُ على كرسيْينِ خُصِّصا لهما، ويبدأ التلميذُ بتلاوة عشر آياتٍ من مصحفٍ مفتوحٍ أمامه، ويُختمُ احتفالُ بتوزيع الحلوى، وتقديْم هديةٍ للمعلِّم.

ارتفاع الأسعار 1953:

(جريدة البلاد/العدد/ 165/18 أيار 1953م).

تصاعد الغلاء الذي أعقب الحرب العالمية الثانية ، ففي نيسان 1947م كانت أوقية اللحم الضاني بسبعين قرشاً،

وتعرفة أجور ركوب عربات الخيل بالغرش السوري :

(50) داخل المدينة،

و(75) من ضمن المدينة إلى السجن أو المستشفى،

و(100) من ضمن المدينة إلى الطابيات أو دورة البحر.

وهبط سعر كيلو السمن الحيواني في عام 1952م من 600 ق.س إلى 525 ق.س لجودة الموسم ووفرة الأمطار وتوالد الماشية وتوفر الكلأ، لكنَّ الشكوى من الغلاء كانت واضحة في العام 1953م، وتذمر الشارع في اللاذقية من جشع الباعة والتجار وطمع المحتكرين والمستغلين الذي فاق كل حد بقدوم شهر رمضان:

فقفزت أسعار البندورة من 35 ق.س للكيلو إلى ليرة سورية،

والبرتقال من 40 قرشاً إلى ثمانين قرشاً،

وارتفع سعر كيلو الخيار إلى ليرتين اثنتين.

فما رأيكم بفارق الأسعار بين الأمس واليوم؟

====================

ماذا يقول أهل اللاذقية الأدباء فيها؟

الشاعر موسى جرجي: (القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين):

تغرب إلى أستراليا يقول في شوقه للاذقية:

طالَ النَّوى حتَّى تقلَّصتِ الهِمَمْ ** وسقِمْتُ حتَّى غِبْتُ عنْ عيْنِ السَّقَمْ

أَأَحِبَّتِي طالَ الفراقُ مَتَى اللقا؟ ** طالَ النَّوَى شَـابَتْ ألا مِنِّـي اللِّمَمْ

طالَ الفراقُ فهلْ من عَـودةٍ ** لِلاَّذقيِـَّةِ كَـي أرى تَلْكَ الأُكَـمْ؟

أُكَمٌ بِها تلكَ الربوعُ نَضِـيْرةً ** حيَّـاهَا بارِؤُها بِـتَهْـطالِ الدِّيَـمْ

الشاعر راغب محمد العثماني اللاذقي توفي 1968م:

يذكر اللاذقية في قصيدته (أبي):

أقسمْتُ بالله والأيْمانِ والكُتُبِ **وبالنَّبِيِّ إليه يَنْــتهي نَسَبي

لئن رُدِدْتُ إلى الأصلابِ ثانيةً **لما رضيتُ أبًا في الكون غيرَ أبِي

وكيفَ تَختارُ نفسي غيْرَه بَدَلاً **وقد كسانِي ثيابَ العِلْم والأدبِ

وإنْ سألتَ – رعاك اللّه – عن وَطنِي **فاللاذقيَّةُ: عندي مُنتهى أَرَبِي

الشاعرة عزيزة هارون توفيت 1986م:

على جـناحِ هوايَ الثائرِ الحاني * أتيتُ أحملُ أشــواقي وألحاني

«اللاذقيةُ» هذي بلــدتي وأنا * من طيبِ نفحتِها شعري ووجداني

وفي مرابِعِها أبــدعتُ أغنيتِي * تُرى أتـذكرُ من ماضيّ أشجاني؟

وكيف عانقتُ «نَيْساني» مجرّحةً * وقد عرفتُ الأسى في قلبِ نيساني

========

الشيخ سعيد المطره جي:

من شعراء اللاذقية الظرفاء في القرنين التاسع عشر والقرن العشرين.

وقد كانَ شعرهُ في السخريةِ والظرفِ .

وقد طلبَ المحاماةَ ولكنَّهُ أخفقَ فيها فقالَ مُعزياً نفسهُ على ذلك:

أردْتُ بأنَ أكونَ أباً لِـ (كاتو) ** و(كَاتُو) مـا أرادتْـنِـي أبَاها

لذاكَ تركْتُها هَـرباً بِـدِيْنِـي ** ورحْتُ أرومُ لِي بِنْـتـاً سِواها

وَيلوم شباب اللاذقية لتهافتهِ على اللهو وتقاعسهِ عنِ المجدِ، وهم يذهبونَ عند خمَّارٍ يُدعى (قوزين) كما يذكر الراقصة (روزا) التِي جاءت اللاذقية خلال الاحتلال الفرنسي، فيقولُ ساخراً من الخمَّار والراقصة بأسلوبٍ شعبِيٍّ لطيفٍ:

أضحَتْ جيوبُكمْ يا قومُ مُجـدبَةً *** لَمَّا غدا روضُها مرتعاً لِـ (قوزينا)

أغرَّكُمْ قولُ (رَوْزَا) وهِيَ راقِصةٌ *** زِيْدِي دلالَكِ زِيْدِي اليومَ (دَلْعُونا)

ربُّوا لَنَا صرْحَ عِلْمٍ في مدارِسِكُمْ *** لعلَّنا لا نرى لِلْجهِلِ (جَـرْدونَـا)

ماذا يضرُّكَ يوماً يَـا بَنِي وطَنِي *** لوِ اخترعْتُمْ لِهذا العصرِ (مَاكِيْنَـا)؟

هذي أورْبَّةُ بالبالونِ قَدْ عَـرَفَتْ *** ما في السَّماءِ ، ولَمْ نعرفْ أراضِيْنا

لسْنا نُقلِّدُهُمْ عِلْماً ومَـعْرِفـةً *** لَكِنْ نُقلِّـدُهُمْ ” بـَوْطاً وبَسْتُونـَا”

ولهُ معارضاتٌ تَحملُ طابعَ الظُّرفِ الممزوجِ بالتفكيْرِ، والنـزوعِ إلى الإصلاحِ، ومنها معارضتهُ لقصيدة الشاعر (صفي الدين الحلي) والتي مطلعها (سلي الرماحَ العوالِي)، ويقولُ فيها:

إنَّا لشعْبٌ أبَتْ أقوالُنا عَـملاً *** نقولُ ما ليْسَ يَهديْنا ويُجْـدِيْنا

وَعْرٌ مسالكُنا، حُلْفٌ مقاصدُنا *** خَلْطٌ جرائِدُنا، وَهْـمٌ دعاويْنَا

————————————-

e -mail  من نضال