°
, January 21, 2025 in
آخر الأخبار
تفاصيل

قتل المستقبل . مأمون جعبري .

نحن من عاش في بلاد حُكِمَت لعقود من منظومات الاستبداد اعتدنا أن نقف صباحاً أطفالاً  كُنّا أم مراهقين نُحيي الدكتاتور ونقدم له حياتنا ودماءنا فدية لبقائه الأبدي ، كانت هذه أناشيد الصباحات اليومية والتي إن لم تُتقنها وتردّدها تُصنّف مع عائلتك بالخونة والعملاء وماي تبع هذا التصنيف من ملاحقات ليست فقط أمنية واعتقالات وإنما منع من أبسط الحقوق وهي أن تحصل على عمل في المستقبل ضمن منشآت الدولة.  

كُتِب الكثير عن هذا ، ولكن مالم يُكتب عنه كما يجب هو القتل الممنهج للطفولة داخل المؤسسة التعليمية التابعة للمنظومة الدكتاتورية. فيالصف الثامن كُنّا وبعد أناشيد الخنوع الصباحية نتناول وجبة الذُّل التي يقدمها المُدرّسين على اختلاف اختصاصهم، تميم كان طالباً يتيمالأب ، ولا أذكر يوماً مر دون أن يُضرب تميم على قدميه من أحد المُدرّسين ، وحين ينشغل عنه المُدرّسين، وهذا قلما يحدث، كان موجّه الصفيتذكره ويقوم بسلخ جلد ساقيه من الضرب بعصا الرمّان.

كان ذنبُ تميم أنه لايستطيع الجلوس ويداه مضمومتان إلى صدره وكانت هذه الجلسة هي المفروضة على الطلاب، لم يكن تميم الطفل المُشاكس ليعصي أوامر المدرسة ولكن كان تميم مُصاباً بما يُسمّى فرط النشاط، وهو حالة موجودة عند الأطفال بنسبة تتجاوز الثلاثة بالمئة،هذه الحالة التي تجعل من الطفل الذي يحملها غير قادر على التّركيز وفي معظم الأحيان غير قادر على الجلوس هادئاً لفترة تتعدى بضع دقائق، لا أذكر أن مُدرّساً واحداً أشار إلى أن تميم من الممكن أن يكون غير قادر على التّحكُّم بسلوكه وكل ما أذكره ان المدرسين كانوا يُبدعون في اختراع أساليب عقاب تميم وعلانية أمام كل طلاب الصف. لم يكن هذا دور المُدرّسين فقط فقد كانت والدة تميم كثيراً ما تأتي الى المدرسة لتشتكي عن سلوك تميم غير المنضبط في البيت وهذا ما يستعجل عقوبات اضافية بحق تميم .هرب تميم من المدرسة في نهاية العام وتحول لاحقاً إلى مايسمى الشبيح، ولكن ما توقعته لتميم هو أن يتحول الى قاتل متسلسل وهذا لم يحدث للأن. على الرغم من أن مفهومالعقاب بالضرب قد أصبح قليلاً في وقتنا الحالي في المدارس السورية، ولكن تحول العقاب لهؤلاء الحاملين لهذه الحالات إلى نمط من أنماطالسخرية والتحقير اليومي وهذا ليس أقل أذية من مفهوم التعنيف الجسدي، نحتاج إلى التّركيز وزيادة التوعية للأهل على منع معاقبةأطفالهم من قبل الجهاز التدريسي تحت أية حجة كانت وبأي وسيلة. أتمنى أن أتمكن في المستقبل القريب من انجاز كتاب أتناول فيه حالاتفرط النشاط وأساليب العلاج المدرسي بناء على تجربة المؤسسة التعليمية في النروج وبلاد الاسكندناف،ولكن الأهم الأهم  أنتم كأهالي انتحموا أطفالكم  في المدارس وتواجهوا أي مساس بهم، إن الإساءة المُستمرّة للأطفال في طفولتهم هو قتل لحاضرهم ومستقبلهم وهو تعذيبغير أخلاقي لحلقات أضعف اعتادت المجتمعات المصابة بلوثة الدكتاتورية أن تُمارسه في يومياتها الاعتيادية وتمرر القضية وكأنها ماكانترغم آثارها النفسية الكارثية.