°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
الشــيخ صالح العلي

تنويه السيد إحسان بك الجابري

إحسان بك الجابري

( … أنه من الصعب أن يعرف المرء أهمية الثورة التي قام بها الشيخ صالح العلي – من الوجهتين المادية والمعنوية – قبل أن يعلم نوايا الفرنسيين الحقيقية ومقاصدهم الاستعمارية التي دفعتهم لدخول الحرب الكبرى بقصد الاستيلاء على ممتلكات في حوض البحر الأبيض المتوسط ، خاصة سورية ولبنان ، حيث كانت تعتبرهما فرنسة مركز إشعاع لمدنيتها وثقافتها في سائر أنحاء المشرق .
ولما وقف الإنكليز – أولاً – في وجه مطامع الفرنسيين في جميع المؤتمرات والمفاوضات – تحقيقاً لمطامعهم هم – كان الفرنسيون يزعمون أن السوريين واللبنانيين ينتظرون جيوشهم بفارغ الصبر !
ويدَّعون أنه لا يوجد في سورية ولبنان من يرفض انتدابهم واحتلالهم !
وقد أثبتت الأحداث فيما بعد بطلان هذه الادعاءات والافتراءات وبرهنت على أن الشعب السوري بأسره يرفض أي انتداب واحتلال .
لهذا كانت ثورة الشيخ صالح العلي صدمة عنيفة لادعاء الفرنسيين ، وتبجهم ، وغرورهم ، وكان لها – بالنسبة للفرنسيين – صدى سيّء في المحافل الأوربية جمعاء . وقد مُني دُعاتهم بخيبة مريرة ، وإخفاق شديد .
ولقد كنّا في جنيف نجابه الفرنسيين بذكر الثورة العلوية ، حينما كان دُعاتهم المغرضون يزعمون بأن العلويين لا يرغبون بالوحدة ، ويريدون الانفصال ، والذي يُقيّض له الاطلاع على سجلات جامعة الأمم يرى أننا كثيراً ما استشهدنا بثورة الشيخ صالح العلي لدحض افتراءات الفرنسيين ، ومزاعمهم ، ضد العلويين خاصة ، والسوريين عامة .
من هذا ، وهذا وحده ، يُدرك القاريء مدى انتفاعنا من تلك الثورة العنيفة ، التي دامت ما ينوف على ثلاث سنوات .
وان من أعظم مزايا ثورة الشيخ صالح العلي انها استمرت ما يقارب السنة ، بعد خروج الملك فيصل من الشام ، وانقطاع المساعدات المنظمة عن الثورة . ولم يكن لها ما يُغذّيها في فترة تلك السنة الأخيرة ، الا إيمان الشيخ صالح ، وثباته ، ومتانة عقيدته . وما أزال أحتفظ بين مذكراتي ببعض الرسائل التي كانت تردنا من دمشق ، وهي مملوءة بالعزيمة الصادقة ، والاخلاص الشديد .
وثمة منافع كثيرة أتت عن طريق تلك الثورة ودلّت على أن فائدتها لم تنحصر بنطاق مُعيَّن . ومن ذلك الثورات التي قامت بعدها في جبل الدروز ، وجبل الزواية ، وجبل عامل ، وبقية المناطق الأخرى . والتي لم تكن الا بمثابة تموجات طبيعية للثورة التي أطلق الشيخ صالح العلي رصاصتها الأولى . ولو كانت اليقظه العربية مثلها اليوم لما تخلل تلك الثورات ما تخللها من فترات الهدوء والسكينة . ولكان مصير فرنسة في هذه البلاد – الذي تقرر منذ عامين ، قد تقرر منذ عشرين عاماً .
والذي يبعث على تقدير الشيخ واحترامه أن سورية كانت بعيدة عن الاستثمار . وأن شخصه كان أرفع وأمنع من أن تؤثر فيه المُغريات المادية والمؤثرات السياسية .. أو أن تُخرجه من عزلته للاستفادة التي كانت تُعرض عليه في كل مناسبة ويعَرض عنها بكل شرف وإباء .
ولَم يتلكأ الشيخ عن القيام بواجباته الوطنية حينما كانت المصلحة العامة تدعوه لذلك ، بل كان يقوم ها خير قيام ، ويُؤديها خير أداء ، وقد لقيت منه يوم كنت محافظاً للاذقية في أقسى الظروف والاحوال ، أصدق ومعونة ، وأنبل اخلاص .
مدّ الله في عمر الشيخ صالح العلي ، وعمر رفاقه المجاهدين الميامين ، وحفظهم ، وحفظ البلاد العربية من كل أذى ومكروه .
والله جلّ جلاله لا يُضيّع أجر من أحسن عملا .
حلب في 15-1-1947
احسان الجابري )

المصدر :

صورة طبق الأصل عن شهادة السيد احسان الجابري حول الشيخ صالح العلي والثورة السورية الأولى , الواردة في كتاب النائب في البرلمان السوري الدكتور عبد اللطيف اليونس ” ثورة الشيخ صالح العلي ” الصادر عن وزارة الثقافة والارشاد القومي – مديرية التأليف والترجمة الطبعة الاولى 1947 الجمهورية السوريّة .