°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
قضايا

مأساة الجغرافيا السوريّة . محمد سيد رصاص

في معاهدة «سيفر» -10 آب (أغسطس)1920- بين الدولة المنتدبة الفرنسية على سورية وبين تركية، كان خط الحدود التركي – السوري يبدأ من الغرب للشرق، من بلدة جيهان قرب طرسوس ثم شرقاً على خط يبعد عن خط قطار برلين – بغداد 18 كيلومتراً شمالاً، بحيث يشمل ضمنه كيلس وغازي عنتاب وأورفة ويمتد شرقاً حتى مدينة ماردين، ثم ينزل الخط الحدودي شمالاً حتى جزيرة ابن عمر جنوباً.
في معاهدة لوزان -24 تموز (يوليو)1923- تخلت فرنسا لتركيا، في مخالفة لميثاق الانتداب في «عصبة الأمم» الذي يلزم الدولة المنتدبة بعدم التخلي للغير عن الأراضي المنتدب عليها، عن كل ما هو شمال الحدود السورية الحالية مع تركيا إضافة إلى لواء إسكندرون الذي أقرت معاهدة لوزان بشموله ضمن الأراضي السورية. في فترة 1937-1939 تخلت فرنسا لتركيا عن لواء إسكندرون من أجل ضمان مسبق بعدم انضمام الأتراك للألمان في الحرب العالمية الثانية التي كانت غيومها تتجمع آنذاك. في الخريطة التي قدمتها الدولة السورية عام 1945 باعتبارها دولة مؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة كان لواء إسكندرون ضمن الخريطة السورية وباعتبار أن تركيا قد ضمنت «اللواء» ضمن خريطتها أيضاً، فهذا قد اعتبر وفق المتعارف عليه في القانون الدولي أن المنطقة هي منطقة متنازع عليها. كان ضمن الخريطة السورية المقدمة للأمم المتحدة منطقة مزارع شبعا وقرية الغجر ولم تعترض على ذلك الدولة اللبنانية، وقد استولت إسرائيل في حرب حزيران 1967على مزارع شبعا وقرية الغجر ضمن عملية استيلائها على الجولان، وبالتالي تعتبران وفقاً للقرارين 242 (1967) و338 (1973) من الأراضي السورية المحتلة.

هنا، من الضروري تسجيل بأن هناك شعور سوري عام بأن فرنسا باعت الأراضي السورية واشترت ود تركيا في مخالفة للمواثيق التي تعهدت بها كدولة منتدبة على سورية، وقالت بنيتها الالتزام بها أمام «عصبة الأمم»، كما أن هناك إحساس عام عند السوريين بأنه كان هناك تواطؤ دولي على نهش الجغرافيا السورية، ابتداء من معاهدة لوزان حتى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير بمصادقة واشنطن على القرار الإسرائيلي عام 1981 بضم الجولان لإسرائيل، لم يكن بعيداً عن ذلك إحساس السوريين تجاه الاستغلال التركي عام 1998 لأزمة وجود عبدالله أوجلان في الأراضي السورية والتهديد بالحشود العسكرية التركية على الحدود من أجل فرض اتفاق أضنة، التي في ملحق الاتفاق الثالث عبر نص يقول: «اعتباراً من الآن يعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية وأن أي منهما ليس له أية مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر»، تتضمن عملياً الاقرار من موقعيها بالتخلي عن لواء إسكندرون، وعلى كل حال فإن الاتفاق مخالف للدستور السوري لعام 1973 في مادته الأولى من الفصل الأول الذي يتضمن المبادئ الأساسية التي تقول بأنه «لا يجوز التنازل عن أي جزء» من أراضي الجمهورية العربية السورية.

من أجل مقاومة هذا الاقتطاع من الأراضي السورية، وبسبب ذلك، كان هناك شعور سوري عام بالحاجة إلى لحاف عربي، وهذا موجود منذ عشرينات القرن العشرين، وبسببه طرح مشروع الوحدة العراقية – السورية الذي كان على وشك التنفيذ بعد فوز حزب الشعب بانتخابات تشرين الثاني 1949، لولا أن قطعه انقلاب العقيد أديب الشيشكلي في 19 كانون الأول (ديسمبر) 1949بدعم من باريس والقاهرة، ثم جاءت الوحدة السورية – المصرية عام 1958 كرد في السياق نفسه، وإن كان أحد أسبابها المباشرة كان الحشود التركية على الحدود في خريف 1957.

العروبة في سورية حالة وقائية أولاً، ثم تأتي العوامل الاقتصادية التي تجعل التاجر الحلبي يشعر بأن امتداده في بغداد وبأن القميص السوري ضيق عليه، أو شعور التاجر الدمشقي القديم بأن امتداده الاقتصادي في الخط الحجازي وفي خط دمشق – القاهرة. أسهم زرع إسرائيل في قلب المنطقة من لندن في زيادة الشعور العروبي السوري وأعطاه وقوداً كبيراً.

هذا الشعور لم تخف حدته في الأزمة السورية (2011-2019)، على رغم أنه يجب تسجيل أن العروبة قد ضعفت مكانتها في سورية بالقياس للسابق، ولكن على ما يبدو، في بلد متعدد دينياً وطائفياً، لا توجد سوى العروبة، في بلد يشكل العرب 90 في المئة من سكانه، كلاصق وطني للسوريين يكون عابراً للطوائف والأديان كهوية ثقافية – حضارية للبلد، مع حقوق ثقافية للأقليات القومية، فيما لا تشكل ما تسمى بـ«الهوية السورية» هذا اللاصق الوطني للسوريين، وهي – أي هذه «الهوية السورية» – غير موجودة تاريخياً لا ثقافياً ولا كهوية حضارية لكيان سياسي وجد في سورية كالسلوقيين أو الأمويين أو الأيوبيين.

توحي العملية الأخيرة لترامب مع نتنياهو في ما يخص الجولان وحركات الرئيس التركي أردوغان تجاه «المنطقة الآمنة»، إضافة لمناوراته في ما يتعلق باتفاق أضنة، بأن هناك محاولات إسرائيلية، وأيضاً تركية، لاستغلال الأزمة السورية من أجل رسم جديد للجغرافيا السورية.

الصفحة الشخصية للأستاذ محمد سيد رصاص على الفيسبوك

نقلاً عن :

جريدة الحياة 7 أبريل 2019