°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

حَلْب الأموات – * مأمون جعبري

العلاقة بين النظام السوري برموزه القيادية والمواطن السوري ضمن مساحة سيطرة النظام  هي علاقة يمكن تماماً تشبيهها بمفهوم حَلْب الميّت .

لنأخذ مثالاً يُوضّح هذه العلاقة :

متوسط راتب الموظف السوري في مناطق سيطرة النظام حالياً لا يتجاوز 75 ألف ليرة سوريّة ، وهذا المبلغ حقيقة لا يكفي لأكثر من أجورالمواصلات وبعض الاحتياجات غير الأساسية بمفهوم استمرار الحياة :

(تكلفة : التدخين، قهوة، شاي، ملابس للذهاب الى العمل …..الخ )

ومع ذلك هناك مُفارقة مُلفتة وهي أن الطاقة الإنتاجية في سوريا لا تحتاج إلى ربع عدد الموظفين المُداومين على رأس عملهم ، ومع ذلك يستمر النظام في دفع كامل أجورهم المنصوص عنها وفق النظم المالية ولا يُقدّم على إقالات جماعية ، وبذات الوقت يستمر الموظفين بالذهاب إلى عملهم رغم أن الأجر المدفوع لهم أقل بكثير جداً مما يُلَبّي احتياجاتهم المعيشة ، وربما في كثير من الأحيان بقائهم في منازلهم يجعلهم أقل خسارة من ذهابهم اليومي إلى أعمالهم الوهمية بمعيار الإنتاج أو الرواتب! .

فيما أعتقد أن سبب هذه الظاهرة غير المتوازنة منطقياً يعود الى الطرفين :

الموظف :

رغم إدراك الموظف للمعادلة التي ذكرتها بأنه يعمل بخسارة فهو مستمر في عمله لسببين :

  • السبب الأول وَهْم أن النظام في يوم ما قادم سيقدم على رفع رواتب العمال أو الموظفين بما يتناسب مع التكلفة المعيشية ، وتركه للوظيفة يعني فقدانه الحق بهذا الإجراء وخسارته لفرصة تحسين ظروفه المعيشية إلى مستوى احتياجات البشر، وخاصة أن كتلة العمالة هي من أكبر الكتل داخل سوريا وهي راهنت من زمن بعيد على مفهوم الوظيفة كحل للمداخيل المالية وبالتالي تلاشت لديها فرص بقية الحلول . ولم بينَ النظام قاعدة لمسارات ثانية (هذا لم يكن مصادفة بل كان أحد توجهات السياسة للنظام الحاكم لربط مفهوم الحياة للمواطن السوري به مباشرة عبر مفهوم الوظيفة)

أمّا

  • السبب الثاني : وهو بقايا خوف عند بعض السوريين من أن عدم الذهاب إلى الوظيفة هو عصيان مدني له عواقبه التي يعرفها كل السوريون فقد خبروا أمثلة مختلفة عن هيكلية الرعب والقتل لدى النظام.

لننتقل الآن الى ضفة النظام :

لماذا يستمر النظام بدفع رواتب غير منتجة من الناحية الاقتصادية وفقط بعض القطاعات الخدمية وبربع عدد عمالها من الممكن أنها ضرورة للاستمرار ولكنه مُستمر بدفع الرواتب للجميع ؟

النظام يقرأ المشهد من أكثر من زاوية فيما أعتقد :

السبب الأول : أن تعلق المواطنين السوريين بخيط الأمل الوهمي بتحسن أوضاعهم لاحقاً ينجيه من وجود أعداد هائلة من فاقدين الأمل ويبحث عن حلول أخرى من المؤكد أنها لتناسب استمراره.

السبب الثاني :  هو أن إمكانية مراقبة هذه الكتلة البشرية أسهل بكثير وهي ضمن مكان عملها حيث تكون مخترقة بمخبريه ويصله معظم ما تتفوه به .

السبب الثالث :  وهذا مهم جداً أن هذه الكتلة  البشرية الهائل حين تتوجه إلى أعمالها تضمن إستمرار حلقة الابتزاز والفساد التي تعود على قيادات بمبالغ هائلة وهي شريان أساسي لضخ الأموال إلى جيوب حلقات مقربة من النظام وتعمل على استمراره وتقبض الثمن سرقة ونهب مباشر وابتزاز وتدفع إلى قيادة الصف الأول مايترتب عليها.

السبب الرابع :  وهو مكشوف فيما أظن للدول المعنية وهو استمرار شكل هيكلية الدولة عالمياً كي يستمر مبرر تمثيلها الخارجي.

في الخلاصة :

لابد من القول أن  أمل الشعب السوري الوحيد هو سقوط منظومة الفساد والذي يعني سقوط أركان النظام الأساسية لأنها المشرع الرئيسي لمفهوم  الفساد وسيادة دولة القانون أي القانون هو إله المجتمع الأول .

قد يقول قائل :

كان كل هذا يحدث من زمن بعيد ولكن لم تتردى أوضاع السوريين إلى هذه الدرجة؟

هذا سؤال حقيقي ومعلومة ليست وهمية أو داعمة للنظام الفاسد،  وأعتقد أن السبب كان في أن الموارد السورية كانت كافية لتغطية جشع المنظومة الحاكمة وإبقاء ما يضمن استمرار الشعب بشكل معقول وذلك دون أي التفاتة إلى تطوير البنى التحتية بشكل يتلائم مع مُقتضيات العصر، كونها تكلف وتعود بفوائد أقل إلى جيوب الفساد وبفترات زمنية طويلة، وأما ماحدث في فترة الحرب أن الموارد السورية أصبحت أقل بما لايقاس وهي لا تكفي لهذا العدد من قيادات النظام الفاسدين وهم أولوية النظام، ولهذا حدث هذا التراجع المرعب في مسيرة حياة الكائن السوري  .

* مأمون جعبريبكالوريوس في علم أصول التدريس الحديث من جامعة الشمال في النروج .