°
, December 8, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

العلويون ( الفكرة، الظلم و المظلومية، الحل ) د. محمد الأحمد.

كيف سيكتب التاريخ إنتقال العلويين من مظلومية عميقة مزدوجة إلى ظلم يدعوك للبكاء و الضحك في آن معا ؟
كيف سيكتب التاريخ عن عشرين مليون علوي في تركيا يعملون ينشطون في كل مناحي الحياة و يحميهم النظام العلماني من تهمة التكفير و ثبور الموت ؟ بينما ثلاثة إلى أربعة ملايين علوي في سورية راحوا على ( الأخذ عسكر ) برغم نهاية السلطنة العثمانية ؟ لأن ضابطا منهم اخترع سلطنته هو ؟
كيف لو كان حافظ الأسد هو أتاتورك السوري و صنع بالفعل دولة قادرة على البقاء لأن فيها قضاء و برلمان و تناوب ؟؟
هل المصيبة في أن البعثيين فرضت عليهم الستالينية فرضا بينما ربح الأتراك لأنهم جزء من العالم الحر ؟
هل كانت لحظة الحقيقة الرئيسية في تنظيم الدولة لما بعد حافظ الأسد بشكل لا علاقة له بالقرابات و العائلة ؟
…..
كل هذه الأسئلة و أجوبتها الثقيلة تقبع أحيانا على كاهل طائفة الموجودة في خانة اليك ! فلا هي بقادرة على ترك لعبة الطاولة المميتة و المقيتة كلها و التمتع بحرية نظيرتها( التركية) و لا هي تأخذ أية فرص حياة كريمة و براحة ضمير ضمن قواعد اللعبة.
……
لقد كافحت طويلا ضد مفهوم العلوية السياسية و سأستمر في ذلك لأن كل مافي الأمر هو ( نظرية ارتكاس قتالية ) يدافع فيها العلويون عن أنفسهم و لكن موقعهم في الخارطة العسكرية مع الجلاد للأسف ، و هيهات أن يقدروا على تغيير المعادلة و الوصول للدفاع عن النفس مع تغيير الخارطة العسكرية لسببين:
الاول هو احكام الكماشة من قبل النظام بعسكرة الجزء الأكبر من الطائفة
الثاني هو افتقار الطرف الثاني للاقتدار القيادي و الحكمة في صنع بديل ( اتاتوركي) فعلي ، و ظهوره في أفضل حالاته في تبديات عسكرية مخيفة ( علوش ، الجولاني ، أبو مالك التلي ….. مئة و خمسين فصيل قتالي اسلامي تقريبا ) و هرب كل اصحاب المشروع الديموقراطي بشكل يشبه الانسحاب الكيفي الفوضوي على أثر هزيمة عسكرية !!
….
هذا الاستعصاء الذي يتألف من هاتين النقطتين يضع العلويين في أخطر حقبة في تاريخهم ، فلا هم مرتاحو الضمير لأن بنيتهم التاريخية الاجتماعية بنية فلاحية ريفية غير معتدية لا بل كانت على الدوام تريد سلتها بلا عنب !
كيف سينتقلون الى خارج الاستعصاء؟
لاشيء يوحي أبدا بأن كماشة النظام قد ترتخي، لأن قانون البقاء الفيزيائي يحكمها ضمن معادلة ( السفن المحروقة ) ، و كسر هذه المعادلة مرتبط باتفاق كبار الدول عليها .
بينما يمكن العمل في العنصر الثاني من الاستعصاء على ما يلي :
اولا اخراج الاخوان المسلمين و من يشبههم من المعادلة العسكرية و السياسية
ثانيا تبوأ الليبراليين الديموقراطيين قيادة المعارضة و تمكين المشروع الوطني العلماني الديموقراطي منذ الان – قبل التغيير – ليكون هو صاحب القرار المعارض .
….
هذه هي الحقيقة بكل عريها و في جزئيات و معايشات هذه الحقيقة أن الأسف كل الأسف يخيم على حاضر طائفة هرب أبناؤها تاريخيا من الأسر الفكري الذي أسس له سلاطين الدولة العباسية لكي يعملوا العقل خصوصا بعد ترجمة سقراط و أفلاطون و أرسطو للعربية و عشقهم الفلسفة و المنطق و اعمال العقل الذي كان يكلف قطع الرأس في مذهب الدولة !
هذه هي الحقيقة التي قلتها و قدمت لها منذ عدة سنوات في برنامج البي بي سي ( عن قرب ) و التي حذف منها جل ما حاولت توضيحه للمشاهد بعد أن نكل المعدون بوعدهم لي ببث كل ما سأقول .
من هنا فكل الطروحات عن انحراف العلويين عن الاسلام ( الحق ) هي طروحات سطحية لأن العلويبن يرون بأنهم هم السنة الحق و هم الاسلام الحق لجهة المقدرة على تبيان حقيقة الوجود بشكل يحترم العقل و لا يجبره ، يدعوه للتفكير و لا يأمره، يدعوه للصوفية العرفانية، لا للجبرية و القسوة و السيف المسلط على الرقاب .
نعم قد تبدأ الفكرة العلوية من عند محمد بن نصير و من ثم الخصيبي لكن أبناءها بحكم عدم وجود مرجعية تاريخيا و استحالة وجود المرجعية ، طوروا كل شيء لكل يكتبوا رسائل في الفلسفة الايمانية ، لا يمكن اعتبار الفارابي أولها بل واحد من راسمي نمط تفكيرها الفلسفي، علما أن العلويين يقبلون في داخل الحلقة الفلسفية الايمانية الاختلاف فالفارابي قال بأن الخلق فاض عن الله لفرط كرم الله علينا ، و هناك من جاء ليقول بأن وجوب الوجود لا يقبل الفيض، و كلتا الرؤيتين تسبحان معا في جو النقاش الفكري الداخلي الذي لا يضع أي عصا على عقول المؤمنين، و لا يجبرهم ، بل يفتح دار الايمان لمن يرغب و يأتي و يترك من يتركه لعقله و قلبه . فالمشيخة عند العلويين ليست مدرسية.
..
انطلاقا من مدرسة التكفير الاجتماعي السياسي تبدأ كل مصائبنا التاريخية ، فالتكفير لا يقف عند عتبة اللفظ و الاختلاف الفكري بل يصل و قد وصل مرارا الى السيف و قطع الرقاب . من هذه الحقيقة لابد من تفسير كل شيء و منها ينطلق الحل و هو ( النمط الاتاتوركي) للدولة و أرجو هنا الا يفهم أولئك الذين ظلمهم أتاتورك أنني ادعو لظلمهم بل كل ما اعنيه علمانية الدولة و تطلعها للحداثة و عندها يمكن لحزب كحزب اردوغان أن يحكم بشروط الدولة و لا مشكلة .