°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

يا زمان الوصل في الأندلس… د. محمد الأحمد .

عندما أنشأ الصديق العزيز فتحي بيوض (زمان الوصل) منذ ما يقرب من خمسة عشر عاماً، و كان الوقت (ربيعاً) وأسميناه (ربيع دمشق)، أذكر أنني وأنا الذي ساهم بمقالاته في نبت الربيع – بطريقتي – تشرفت بأن كتبت في زمان الوصل آنذاك، ولقد كنت معجباً باختياره للاسم، وصارحت حينها أصدقاء مشتركين بيننا بأن الأستاذ (بيوض) اختار اسماً موفقاً نغنيه جميعاً بحب، وهو الذي وصلنا عن (لسان الدين بن الخطيب) بادئاً بذاك المطلع الخالد: جادك الغيث إذا الغيث همى… يا زمان الوصل في الأندلس.
وإنني إذ أبدأ مقالتي هذه المرة لقراء هذه الصحيفة الغراء بتأريخ، فلأن مقالتي هذه ربما تكون الأخيرة! فقد لا ينشرها زملائي الذين أحب و احترم، وربما تكون الأخيرة لأنني سأخضع غداً لمزحة طبية صغيرة في المحرك الذي يوصل الدماء إلى أنحاء الجسد، فإذا شاء ربي الكريم استمررت في دنيا الأوجاع هذه و ليختر ربي ما يشاء، وإني له العبد المطيع المحب.
أما لماذا أظن أنها قد لا تنشر، فهذا سيتضح في السطور التالية، ولكن قبل أن أخطها أريد أن أقول إنه لولا أن تجربتي مع (زمان الوصل) قد اعتراها أي شك، في حرية الكلمة، لما أرسلت هذه السطور وتؤكد هذا الأمر مقالاتي السابقة كلها……….
رسالة إلى جماعة الإخوان المسلمين السورية
السلام عليكم و رحمة الله
أكتب إليكم هنا وأنا أعرف طبيعة المنعطف التاريخي الذي تمر به بلادنا العزيزة سوريا، وفي نفس الوقت لا يعتريني الشك في حبكم لبلادكم، ولا في اعتقادكم بأن كامل مسيرة جماعتكم السياسية عقدت على حسن النوايا والمقاصد، من أجل حياة أفضل، لكن النتيجة جاءت وبالاً علينا جميعاً وصار من الضروري الاعتراف بكل ضمير حي بهذا، ولأن التاريخ – يا سادتي – يعلمنا، ومن لا يعلمه التاريخ، لا معلم له..!
لقد كنت بعثياً ردحاً من العمر، وانسحبت من حزب البعث ليس اعتراضاً على ارتكابات السلطة فقط بحق نفسها وحق وطنها، لا بل ولأنني تتلمذت على يد التاريخ، فعرفت أن الأفكار العظيمة الكبرى لا تحتاج لأحزاب إيديولوجية، بل لعمل وطني دؤوب يبدأ من جعل حياة الإنسان الكريمة هدفاً وطموحاً أعلى يسبق كل شيء. فإذا وصلت الدول، صغيرة أم كبيرة، لرفاه الناس واحترامهم، فإنها عند هذا المنعطف، تستطيع استشارتهم في تحقيق أي هدف كبير.
ومن أجل خير الإنسان السوري – وأجزم لكل إنسان في عالمنا الإسلامي– فإنني لا أرى أية جدوى من الأحزاب العقائدية والإيديولوجية الدينية، بل إن في هذا – ولا ريب – خطر داهم على الناس وعلى من يحمل هذه الأفكار.
أيتها السيدات أيها السادة
لقد اشتبكتم مع البعث ولم يمسك أحد منكما برقبة الآخر أبداً، بل أمسك كلاكما برقبتنا نحن، وهذه الدماء والضحايا ما هي في مكان من الأمكنة، إلا سيرة صراع مرير، بين الفكرتين والعقيدتين إلا أنها طريقة واحدة في الإقصاء!.
وأنا لا أرى هنا كمواطن اضطر للهجرة مثل ملايين السوريين بسبب عسف النظام واستبداده، ومنعه لأي رأي آخر يصوب مسيرته ويغني البلاد، لا أرى بداية وطنية محترمة لغسل الذاكرة إلا بالاعتذار التاريخي لهذا الشعب الجريح. فعلى كليكما أن يعتذر للشعب السوري المدمى، وأن يرفع يديه ويقول هاأنذا أرفعهما عن العمل التنظيمي السياسي أيضاً، وما أجمل وأرقى لحظة ضمير سياسي يسمع فيها شعبنا بخبر حل جماعة الإخوان المسلمين، ليس فقط في سورية بل على مساحة العمل السياسي الإخواني في كل مكان. وليتبع ذلك ممارسة لكامل الحق بتشكيل أحزاب سياسية تتواءم مع الدساتير الوطنية المدنية العلمانية، التي لا تقبل مزج الدين في السياسة، احترماً للدين ورغبة في خير أبناء الوطن الذين دفعوا الغالي والرخيص في هذا الصراع البغيض.
إن الحلم بعودة (الخلافة) لمن يظنون الخير في هذا الحلم، لا يحتاج لحزب سياسي ! ولا لعمل كالعمل الذي أنشأته الجماعة منذ بدايات القرن الماضي في مصر، بل يحتاج لبناء دول ديموقراطية تراكم العراقة العلمانية والبرلمانية في ظهرانيها، وتؤسس لتحويل الرأي الوطني العام المسالم إلى أمضى سلاح ! حيث الكلمة الحرة والضمائر الحرة هي السلاح وليس (السيف).
و من أجل صنع أي حلم جميل لا بد من صناعة بشري جميل، إنسان جميل، لا يرفع لا سيفاً ولا حتى سكين مطبخ من أجل هدف سياسي، وأجزم أن ما يجب رفعه فوق الرؤوس وفي بطن الرؤوس هو (العلم).
تقبلوا تحياتي وتعاطفي مع أسركم – وأنتم المطاردون – وأنا أدرك بعمق أن حجم التعاطي الإقصائي من الطرف الآخر الذي لا أوفر فيه هجاء، قد ساهم إلى الحد الذي يصل لآخر مستويات الحماقة في حبك معضلتنا التاريخية.
صوفيا 21 فبراير / شباط 2020م
*أستاذ جامعي – من كتاب “زمان الوصل”
المصدر : جريدة زمان الوصل .