°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
عيـســـى ابــراهـيـم

بوست من صديق ع الفيسبوك ، إستدعى مني ، هذا التعقيب :

هذا النص للسيد منصور حسنو على الفيسبوك  : http://Mansour Hasno

( دفاعا عن العلويين : محاولة للفهم
الجزء 1 : قبل الثورة
قد أتى على العلويين زمن لم يكونوا شيئاً مذكورا ، ففي عتمة الليل وأعالي الجبال وعواء الذئاب عاش العلوي يحكي لأطفاله أحلام المدينة والمدارس والسيارات والطرق المعبدة والكهرباء ، ومن غامر منهم للسفر إلى المدينة ليشتري زيتا لفانوسه القديم أو علفا لحيواناته أو ماعونا لمنزله يرجع إلى قريته حاملا معه حلم المدينة وعشرات الألفاظ التي تعرض لها في المدينة وسيلا من الشتائم والاهانات ( نصيري الكلب ) ( نصيري الخنزير ) وربما أكثر ما يعيب المقام عن ذكره ، لم يكن العلوي يشعر بالحرية في تاريخه حتى على مستوى الطقوس الدينية السرية والتي تتعلق صياغاتها المتبدلة حسب الثقافة السائدة المهيمنة والتي لا تجد في هذه الديانة والطقوس سوى خزغبلات وبدع وضلالات وطلسمات يجب محاربتها ما أدى لمزيد من التقوقع الاجتماعي والسياسي لدى عموم الطائفة العلوية وأصبح السكن في الجبال وتجنب الاحتكاك هو النجاة عند العلوي اذ يعني غير ذلك أن يكون أجيرا ( مرابع ) عند آغا السنة يبذر القمح والحبوب في أرضه لقاء العيش تحت ظله مع أجر قد يكون ربع المحصول أو يكتفي بأن يكون عيشه فقط على حساب الآغا طعاما وشرابا ومأوى .
كان وضع العلويين الإجتماعي والحياتي بائسا ولا ينكر ذلك باحث منصف ولكن مع ديمومة هذا البؤس صار العلوي يرى في بؤسه وفقره ومظلوميته اسطورة مرادفة للتأويلية الباطنية للدين ما يسمى في علم الاجتماع الديني : أساليب التكريس ، اذ تلجأ الجماعات الدينية المضطهدة والمهددة لحماية نفسها عبر تكريس الأوضاع والأقوال والحكايا التي تشد أزرها وتعضد علاقاتها فيما بينها ، إنها دوما تحتاج إلى التذكير بماضي الأجداد الأليم ومعاناتهم وشقائهم في هذه الحياة وكما هو الحال مع أي جماعة بشرية تتعرض للاضطهاد فإن التفسير الديني هو المسيطر لدى تلك الجماعات ، فالعلوي يؤذى ويهان ولا يرى له كرامة لأنه علوي ، والسني يكرس هذه الفهم باعتباره يملك السلطة للجهر بأنّ من يخالف السنة وتعاليم الاسلام يستحق هذه المهانة ( الذلة والصغار على من خالف أمري ) كما في الحديث الشريف أو في تفسير أخذ الجزية من المخالف ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) .
مجتمعات تتكون بهذا الشكل كما ذكرنا لا بدّ أن يكون الخوف هاجسها ، كالطفل الذي يرغب أن تقص له حكاية أليمة قبل النوم عن الأشرار فينام وخياله سابح في هذا العالم المخيف ، لقد أصبحت حياة العلوي داخل عالم من الاحتمالات المرعبة ولهذا هو دائم مسكون بالخوف ، شحنة من القلق الدائم ،متوجس من الآخر، أي آخر والسني على وجه التحديد ، فسرديات التاريخ والدين قالت له ذلك والواقع الأليم يؤكد كل ذلك !
اذن الشعور بالمظلومية الماضوية الحاضرة ذهنيا والمؤكدة معاشيا ويوميا ، والنفسية المسكونة بشبح الخوف من الآخر ، ما يجعل العلوي يرتاب في كل شيء ويصدق أي شيء في الوقت نفسه ؛ هما أهم ما يميز الشخصية العلوية التاريخية ليصبح وعي العلوي هو وعيه بالماضي المؤلم وبالآخر المهيمن ما يعني غياب أبسط معنى من معاني الحرية عند الإنسان .
قد يسأل سائل لطالما كان هذا هو حال العلويين فلماذا لم يستطيعوا التأقلم أو هضم ثقافة الآخر عوضا عن الارتياب منه والخوف ؟ والحقيقة لم يكن الاسلام المهيمن منذ تاريخ نشوء الحركات الباطنية في الإسلام هو الإسلام المحمدي( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) إن جاز التعبير وانما الاسلام الخالدي ( نسبة إلى خالد ابن الوليد ) ومن بدل دينه فاقتلوه ، اسلام الاستنفار ضد حركات الانشقاق عن الاسلام والذي لا تقبل معه توبة او مصالحة وهذا ما أكده الغزالي وابن تيمية في اغلاق الباب أو ترك نافذة للرجوع عند الباطنية بل جعلا منها( أشد خطرا من اليهود والنصارى) كما يقولون. كيف لعلوي يعيش حالة طوارىء مفروضة عليه قسرا أن لا يرى في أي قادم جديد فرصة للخلاص بل فرصة للوجود ؟ ولذلك المجتمع العلوي بالعموم ناصر الحملات الصليبية واستبشر بقدوم الفرنسيين وهذا لا يمكن تفسيره كخيانة للوطن بقدر ما هي تعبير عن أزمة العلوي مع مجتمعه ورغبته بالتخلص من أي مظهر للسطوة السنية .
من وسط هذه العتمة خرج مفكرون علويون لا يقلون عن مفكري عصر الاستنارة الأوربي بل وأعظم ( بدوي الجبل ، الأرسوزي وغيرهم…) متأثرين بالأفكار الثقافية الفلسفية الوافدة ووجدوا أن خير ما يمكن للعلوي أن يفعله هو ان ينخرط في محيطه القومي والعروبي وتبنت شريحة كبيرة قيم الحداثة على خطى مفكري العلويين ومع دخول الأفكار التقدمية كالشيوعية والاشتراكية والقومية رأى الشباب العلوي الصاعد فرصة تاريخية للخروج من باطنية ممزوجة بالمظلومية إلى فضاء تنويري ينادي بالمساواة بين الناس والتميز على حسب العمل والجهد وليس على حساب الانتماء والدين ويبدو واضحا اقبال العلويين على أحزاب شيوعية واشتراكية كونها تقف بالضد من سرديات الأباء والأجداد ووتتبنى تصورا كليا للكون مخالف للقراءة الاسلامية المهيمنة وهنا يكون العلوي قد ضرب عصفورين بحجر واحد ، التخلص من بؤس الماضي في الحاضر واعتناق مبدأ جديد لا يتقاطع مع دين الأغلبية ما يعني استرداد كرامة الأجداد الذين لم يكونوا يحلمون بمثل هذه الخطوات ، إنه لم يعد يخشى من القول : إنني علوي مخالف لمذهب السنة فحسب بل يذهب أبعد من ذلك : انا لست مؤمنا بالله ولا بعلي ولا بمحمد وهي برأي قفزة معرفية كبيرة في الشخصية العلوية !
كل المؤشرات كانت تدل على انخراط االشعب العلوي في الشعب السوري كليا وخصوصا بعيد مرحلة الاستقلال ومشاركة الشيخ صالح العلي في معركة الاستقلال رغم وجود تيار محافظ ضمن العلويين بقي أسير المظلومية والارتياب وهاجس الخوف من الآخر كما تحدثنا سابقا ولعب هذا التيار دورا هاما في الصراع على السلطة انتهى بانتصار الأسد على رفاقه المعتنقين مبادىء الاشتراكية واليسار فاغتال التيار المنتصر محمد عمران في لبنان وقام بزج صلاح جديد في السجن وبدأت معركة التيار الاسلامي المحافظ ( الاخوان المسلمون ) والتيار العلوي المحافظ ( الأسد ، حيدر، دوبا ) ،هذا الصراع الدموي كرس مقولات التيار العلوي المنغلق وأصبحت الطائفة العلوية تشعر بان وجودها وحياتها لا يمكن ان تكون بغير السلطة ووجب حقا أن تقع الريبة والحذر من الآخر مهما قدم من تطمينات رغم أن الشعب السني لم يناصب بمجمله العداء للعلويين في مرحلة الثمانينيات ، وهكذا تم القضاء على دفقة أمل في عملية اندماج العلويين في المجتمع .
لم يكن فأل خير على العلويين وصول الأسد للسلطة وكما يقول الفيلسوف راسل : إنها لورطة كبيرة أن تصل أقلية إلى الحكم ، لقد حلّ الأسد في الذهنية العلوية كالمخلص المقدس ، لقد تحولت الأسدية إلى حالة ذات بعد قدسي طوطمي ، وهنا انتكس العلويون إلى مرحلة العتمة الاولى ولكن هذه المرة في المدن والأرياف سواء ، وبين الأميين والجامعيين ، لقد انتصر تيار الظلام والانغلاق على تيار الاستنارة والانفتاح وأصبح الأسد رمزا للقداسة الأبدية ، وأصبح الشباب العلوي المستنير أسير السجون وأسير ضغط اجتماعي تمارسه الأغلبية الطائفية في الطائفة .
أصبحت الشخصية العلوية غير مستعدة بعد تولي الأسد الأب مقاليد السلطة والهيمنة على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها مانحا بعض أبناء طائفته امتيازات كبيرة أصبحت غير قابلة للدخول في أي مغامرة أخرى ليس بسبب الامتيازات فحسب بل بسبب انّ الأسد قام بتوريط طائفته في معارك طائفية ، نقتلكم وتقتلوننا ويصبح القتل متواترا بين الفريقين ( حادثة المدفعية ،مجزرة تدمر ، اغتيالات الطليعة لشخصيات علوية ، مجزرة حماه ..) وينكمش معنى الحرية لدى كل فريق حتى يصبح في السلطة ، فلا العلويون يرون حريتهم خارج السلطة ولا الاسلاميون يرون اسلامهم خارج السلطة .
وعندما نقول أن العلوي أصبح بوجه عام لا يرى حريته دون السلطة فهذا يعني أنه لا يراها إلا في الأسد ، ولذلك تحمّل كثير من العلويين الفقر وانعدام شروط الحياة ومع ذلك فإن الفقير هذا يفدي الرئيس بالروح والدم ، لأن العلوي يشعر رغم فقره أنه يستطيع الذهاب لمقابلة باشاوات السنة دون أن يجرؤ الأخير على احتقاره كما هو محفور بذاكرته ، لقد استطاع الأسد أن يفيض من قوته على أي فرد من العلويين وسرعان ما تتحول هذه الفيضية الى لعنة لكل من تسول له نفسه الكفر بها كمريد فشى سر شيخه المؤتمن .
لقد كانت فروع الأمن في المدن بمثابة المزارات في القرى التي يحل الأمن والأمان بسببها وهي لعنة لكل من يهرطق خارج أدبياتها .

منصور حسنو …..)

تعقيبي على ما تفضّل به الأستاذ منصور حسنو :

صديقي المحترم : العرض المُقدّم من قبلك ينطبق في قسم كبير منه على شريحة ما ، من العلويين ، ويُفسر سلوكها الآن،  إستناداً لما سبق تاريخياً وهو بلا شك مقاربة مهمة لفهم سلوك هؤلاء بالأغلب الأعم ، وفِي الجانب الأخر من أجل لوحة مجتمعية أكثر غنى بالتفاصيل ، فإني أقول :

بعد التنويه لضرورة قراءة ما يلي بدون تفاضل ، ولا بُعد أخلاقي من عدمه، ولا عراقة من عدمه،   والنظر إليها كتفاصيل واقعية،  لزيادة مساحة الرؤية ، وتحسين الفهم، وليس لزيادة سوء الفهم ….

أقول :

المجتمع العلوي شأنه شأن مجتمعات الأخرين في هذا العالم ليس من بنية إقتصادية واحدة ، سواء تاريخياً أو الآن ، فمثلاً تاريخياً فيهم طبقة المُلّاك وطبقة فقراء كبيرة وطبقة من الذين يتدبرون أمرهم خارج هذا التصنيف عبر ملكيات وحرف وغيرها ، ويقوم المجتمع العلوي تاريخياً على مفهوم نظام المقدمين ، والمقدميات هذه ، هي نظام إجتماعي للإدارة المحلية يُسمى زعيمهمْقٓدِمْوهو وجيه إجتماعي يرث الوجاهة ، ويحمل لقب  شيخوهنا لدى العلويين شقين للمشيخة  أحدهم يعني الإمارة الإجتماعية والدينية ، حيث إجتماع السلطتين المدنية والدينية ، ومعنى حديث هو رجل الدين  أو بيك  …. الخ  وهذه المقدميات كانت تُسمى عشائر ،  هي خلافاً لمفهوم العشائر العربية ، لا تقوم على  النسب إلا لجهة زعامتها وليس نسب جميع أفرادها،  الذين قد يكون متنوعي النسب والاثنية ، ويجمعهم المكان وسلطة المقدم و الخدمات و وبعضالمرافق المشتركة، وهي تعتبر شبيهة لحد بعيد بنظام  ممالك المدن السوريّة القديمة ، بل كثير من الزعامات العشائرية المختلفة عشائريا ًنسبها واحد ،  وإختلفت التسمية للعشيرة  حسب سيطرة وزعامة الأقرباء ، على المكان .

ولمزيد من الإيضاح وعلى سبيل المثال كان هناك عدة عائلات من المُلّاك العلويين  تملك  مساحات كببرة من الأراضي في الغاب والساحل السوري ، الممتد من مرسين  حتى العريش وفِي القوس الزراعي السوري من دمشق مروراً بلبنان والغاب ، وكذلك كيليكيا والجزيرة العليا والموصل   وصولا ً لعانا في العراق  على الأقل إبتداءاً من الألفية الثانية  بهذا الاسم  كعلويين ومتعلقاته  . وبقي قسم كبير منهم بعد الصراعات الكثيرة  وتقلص أماكن تواجدهم ، في مناطق كثيرة  وظل  كثير منهم مُلّاك  في الغاب والساحل السوري ، والجبال ، و وقّع بعض زعاماتهم  اتفاقيات واقعية مع السلطات المتعاقبة بما فيها الدولة العلية العثمانية ، حفظت لكلا الطرفين مزايا ، ولديّ إطلاع على بعضها ، بسبب صلة ما  .

بالساحل السوري بفترة ما من القرن الثامن و أواخر القرن السابع عشر ، تم إصدار فتوى عثمانية سياسية – دينية ، حرّمت وجود غيرالمسلمينالسنةعلى ثغور المسلمين ، فتم نزع القسم الأكبر من ملكيات المُلّاك العلويبن في الساحل السوري التي كانت بأغلبها  لعلويين  وكذا لأخرين ،  وأقطعت هذه الأراضي لأسر سنية  استحضرتها السلطنة من أواساط  أسيا  ، وعلى قاعدة الولاء لها ، و يُطلق  قسم منالعلويين على هؤلاء القادمين الذين ،  الذين،  كما يظنونهم،  أخذوا ممتلكاتهم  عبر السلطنة في دمشق وحلب والساحل والغاب و جبال كسروان ،يُطلق العلويبن  عليهم  لقببدو سهوب أسياولهم أحاديث في ذلك لا تخطر ببالك ، حيث ينظرون لهم بإزدراء وفوقية  عليهم  وعلى سكان المدن والساحل ، الجدد هؤلاء ، ولهم معهم شأن

وكان لهؤلاء المُلّاك العلويين ، فلاحين من مختلف الطوائف والإثنيات والأديان ، كما كان للمُلاك من الطوائف الأخرى ، فلاحين علويين وغيرعلويين فقراء ، فقد كان الفقر والغنى عابراً  بين الجميع هناك .

ما ذكرته أنفاً لديّ أمثلة على أسماء العائلات العلوية من المُلّاك  مما كانوا حتى وقت قريب،  أو حتى ممن أُخذت أراضيهم من قبل السلطنة في الساحل والغاب ، وأعطيت كإقطاعات  للعائلات الوافدة الجديدة ، وأعرف أسماء هذه العائلات أيضاً ، وكان بودي ذكر اسم بعض هذه العائلات  كأمثلة ، ولكن أخشى أن  يذهب الحديث  لتنافس بالزعامة وتبادل للكراهية من قبل المعلقين و الأخرين ، مع العلم أن لديّ هنا علىالصفحة أبناء لتلك العائلات العلوية …الخ  خشية مني لها ما يبررها ، خاصة في هذا الفضاء العام غير الممسوك والمتباين الوعي والفهم والتدبر ، وكنت سأذكربعض مما أعرف من محيطي فخشيت  أيضاً الإتهام بالفئوية والعائلية ، خاصة بظل ثقافة التربّص والهاجس المُسبق والتمييز التي نعيشها جميعاً  بنسبة أو بأخرى

المهم هذا التباين الاقتصادي  بين الفقراء والأغنياء عموما ، ولدى العلويبن خصوصا ً ، كان الحامل الموضوعي الذي رفع الطبقات الجديدة ،في لعبة صراع الحياة  المستمرة  ، من أحزاب وأسر وزعامات وشخصيات ، فعلى سبيل المثال ،  وصل البعث و الرئيس حافظ الأسد للسلطة على  قاعدة شعارات العدالة الإجتماعية  من حرية و كرامة و وحدة وعمال وفلاحين وإشتراكية ، التي لامست هموم وتطلعات الفقراء السوريين ومنهم العلويين ، وكان هناك صراع من قبل العائلات العلوية المتحكمة  وبين الرئيس الأسد الأب ، على هذه الخلفية ، ظل الصراع حتى منتصف الثمانينات ، انتصر بمحصلته الأسد على تلك العائلات جميعاً ودمرها بشكل شبه كامل ،  عبر أدوات  ” قانونية” وغير قانونية  من إصلاح زراعي وتأميم وتصفيات وافتعال اختلافات بينها ، حيث ضربها ببعضها البعض ، وكان البدء بانتصاره ، عبر حوادث 1979  التي بدأها تنظيم الإخوانالمسلمين ، الذي قدّم الخدمة الأهم للأسد ، الذي كان سيسقط ، بزعمي ،  بيد تلك العائلات العلوية التي تعتبره متمرد على زعاماتها ، فكان الإخوانالمسلمين ،   ينطبق عليهم  ” رب أخ لم تلده أمك ” للأسد الأب ، فأعاد بعد القضاء على تلك العائلات ، أعاد تشكيل العلويبن وتشكيل عصبية له  ولأسرته داخل العلويبن ، بل قام بتغيير هائل بالديانة العلوية ، وقضى على طبقة مشائخ الدين التقليديين ، الذين كانوا ضده بالمجمل ، وأبقى  على بعضهم ممن رضي به ، وأعطى أبناء هؤلاء مزايا ، ونصّب متقاعدين من المساعدين ، و من الضباط وصف الضباط ، وبتوجيه وتخطيط  ،نصّبهم مشائخ جدد ، في ديانة  عمادها الفهم الفلسفي العرفاني ، وقوامها  وشرط مشخيتها الأساس التمكن من اللغة والشعر” ،إضافة لحُسن الخُلق والخلقة وعدم التدخل بالسياسة ..الخ  مع التنويه أن  مستوى  ذلك يختلف من شخص لأخر ومن وقت لأخر  ، وأين هؤلاء المتقاعدين ، الذين تمشيخوا من ذلك ومن تلك المتطلبات  ، حتى ولو كانوا حسني النية …..

بالمناسبة في أعلى قمم هذه الجبال  وفِي أكثر مناطقها عزلة كما تقول ومع الفقر لبعضهم الكثير ، ومع عواء الذئاب والبرية الموحشة ، كان الحديث وكانت الكتابة وكان النقاش  والمخطوطات حول أفلوطين وسقراط و أرسطو والصورة والمعنى والتجلي وغيرها من المسائل الفلسفية، كان و كانت عمل شبه يومي  هناك ، وبنفس الوقت لم يكن ذلك مُتاحاً في ” المدن ” مع تحفظي على تعبير “مدن ” الذي هو بزعمي تجمع بيوت كبير ، فالمدن والمدنية شيء أخر ، طبعاً ذلك لم يكم عاماّ كما الغنى ، لا وقتها ولا الآن ، ولن يكون لاحقا ً لا للعلويين ولا لغيرهم وفِي كل مجالات الحياة لأن الحياة بطبيعتها قائمة على التنوع  والفرادة والقلة والندرة والغنى ، حيث عدالتها تقتضي أحياناً كثيرةعدم العدالةبظاهرها !.

عودة للسردية التي سردتم جانبها حول فقر الطائفة  وعزلتها والإنطلاق  من ذلك  لفهم سياق الاحداث ، وهو بلا شك مهم ، ولكنه ليس عاما ًوليس كافياّ  وليس واحداً وليس خاصا ً بالعلويين دون غيرهم ، وهي سردية يحبها ، رغم عدم صوابيتها بشكل كامل ، يحبها نموذج منالعلويين والسنة ، علويين يحبون هذا الفهم والتبرير ، لتبرير بعض أفعال يُتّهمون بها من أخرين ، على أنها ردّة فعل ، وسنة تُعزّز لديهم ، هذه النظرة المبتورة ، نظرية التفوق والرفعة تجاه العلوي ، ويفضلها الأسد الأب والإبن، باعتبار أنها تبرزه كمخلص وكمنفذ للعلويين  فيشجع هذه النطرة بشكل موارب ، ليبقى المخلص والمنقذ  بذهن العلويبن ، وتبرر له دوراً مميزاً، ولكل غايته في جزئية السردية والمظلومية تلك ، التي تسردها ويسردها ويسرودنها ….

العلويبن لم يكونوا وليسوا واحد من حيث النطرة الإقتصادية والإجتماعبة والسياسية ، وإن كان يجمعهم قبلاً هوية حضارية  متنوعة غنية ،تستطيع من خلالها وحدها ، كما أزعم أنا ، فهم هذا التاريخ  الإنساني السوري المشرقي الممتد وبشكل مُذهل

وهم الآن في سبيل التلاشيكما جرى قبلاً من كل مناطق القوس الزراعي الذي أشرت إليهالتلاشي كبنية مجتمعية ذات تأثير ومكانة ،  ويتحولون مع الوقت لشيء أقرب للمفهوم الإثني ،  وقف هذا التلاشي , يبدا  بإعادة فهم وبلورة جديدة لمفهوم الدولة ، عبر ثقافة سوريّة مشرقية  جديدة ، تسمح بوجود التنوع  الحضاري ، و تُوقف عملية الإلغاء المستمرة بحق الجميع في هذا المشرق التعس .

بالمناسبة وكتفاصيل عابرة ، يمكن من خلالها فهم بعض جانب من الحياة بهذ المشرق ، عندما كنت صغيراً كان يزورنا، يزور بيي وأمي ، ،بمناسبات عدة بعض أشخاص  من دمشق القديمة ، كانوا علويين، ” هم غير معروفين بذلك بالأغلب من محيطهم ”  أو من حلب وأضنه ، يعيشون ضمن مناطق سنة ويلبسون لباس السنة ويحتفظون بهويتهم الثقافية العلوية ، وذلك بسبب غلبة المحيط وثقافته عليهم ، والثقافة العامة المشرقية التي لا تسمح بالاختلاف وتؤمن بالواحدية بكل شيء ، خلافاً لطبيعة الحياة القائمة على التنوع ، بل أتذكر  مرة وصل  بيي وأمي سلام وتواصل من أسرتين  من داخل القاهرة ، مصر ، هم علويين غير  مسجلين كذلك،  ويعيشون منذ قرون في وسط القاهرة

بل من الطريف ، أنني ومنذ فترة بعد وجودي على الفيسبوك أصبحت أتلقى ر سائل  واتصالات عدة من علويين كُثر  من مختلف أصقاع العالم من هجرات قديمة ، بعضهم بقي على دينه وبعضهم تحول لدين أخر كاليهودية والكاثوليكية والأرثوذكسية  والسنية وغيرها ، ومع ذلك يعتبر نفسه بمعنى من المعاني علوي !  … كما عبّر لي هذا البعض .

لذلك ما زالت مؤمن بقول الشاعر السوري  المميز ، مليغر .الذي يقول  قبل الميلاد :

إذا كنتُ سورياً فما هي الغرابة ، إننا جميعاً ننتمي الى وطن واحد هو العالم

وما زلت مؤمن وأسعى ليكون المعتقد والتّدين فائمين على الحرية ومصدرهما القانون والحياة  وليس التسامح الفئوي  ، وكذلك الاعتزاز بالهويات الاجتماعية والثقافية كعامل غنى وعدم قتلها بالتعبير السياسي . والدخول  لإستخدام الله الخاص في الفضاء السياسي العام  ….الخ

آملاً لكم ولبلادنا ، سوريا ، التي نُحب كل الخير ، بإعتبارها جزء من هذ العالم .