السجن
-18-
في قسم شرطة الحلبوني وقف شحادة يشرح للدركي قصته ، وذاك يجلس وراء مكتب صغير يستمع إليه ثم صاح فجأة :
-هاد حضرتك ؟
– مافهمت سيدنا
– حضرتك مطلوب يا شحادة و في برقية وصلت للقبض عليك من امبارح لإنك ارتكبت جريمة .
– والله مو أنا ..و القرآن مالي علاقة .. شو بيخليني اجي لعندكن لو أنا قتلتو ؟
– هالحكي بتحكيه بالمحكمة ( ينادي شرطياً آخر يأمره بحبس شحادة)
– يا سيدي أرجوك ولادي و مرتي برا لوحدن و آنا بريء ماكنت جيت
– روح من وجهي
في خارج قسم الشرطة كانت الزوجة و ابنتها هيام و الأبن الأكبر جبر، في قمة الخوف ، بينما جلس الولدان الآخران لا يكادان يعيا ما يحصل تماماً ..
– إمي وينو بيي تأخر ( قال علي ابنها الأصغر)
– إي والله تأخر
قالت هيام :
– إمي مارح اسمع كلامك .. ثم قامت و اتجهت إلى الشرطي الذي يحرس المبنى قائلة :
-لو سمحت بدي فوت اسأل عن بيي
– أبوكي انحبس
وقع الخبر كالصاعقة على أفراد العائلة ، و أجهش الصغار بالبكاء ، بينما صاحت هيام كاللبوة :
– ولك لشو حبستوه ؟! يا ظلام الله يصطفل فيكن هوي اجا برجليه لأنو عرفان انو بريء .. لشو هالظلم
من داخل المخفر خرج الرقيب و هو يصيح :
-مين عم يعيط هون ؟ شو هالضجة
– سيدي هاي بنت الرجال الي انحبس
نظر إليها الرقيب نظرة غاضبة :
– ليش الصياح يا بنت ؟
– لإنك ظالم
– ولك
– اي ظالم .. ليش حبست بيي وهو اجا برجليه لعندكن و بيي بريء
– في برقية و أوامر عليا .. شو مفكرة القصة لعب ولاد !
– أوامر ؟؟
– إي نعم
هنا تدخلت الأم قائلة :
– إلهي يخليلك ولادك و عيلتك نحنا مقطوعين بلاه رح نضيع مالنا حدا هنا بالشام ، شو بسوي بهالولاد ؟
– شو قالولك هون تكية روحي ع ضيعتك من محل ما جيتي
نظرت الأم و أبناؤها نظرة انكسار نحو الرجل، ثم لملموا ما تبعثر من روح تعلقت بجدران المخفر الذي يضم حامي العائلة و سندها، و تحركوا بعيداً نحو مكان لا يعرفون له عنوان .
-19-
في نفس اليوم مساء كان توفيق يعود مع حسون إلى الضيعة يركب كل منهما على حماره ، و قطيع العنز يتبعهما بكل انصياع ! ..
الراديو كان في حضن توفيق مثل وليد عزيز يدندن معه ما يبث من ألحان برغم التشويس . صاح حسون :
-لك توفيق بدي اسألك
– نعااام
– شقد بتحبو لهالراديو بالله أكتر من مرتك
– إي بالله بحبو اكتر من مرتي
– بالله ت قلا
– لإنك فسفوس و فساد و كلب
– ع سربرة الكلب نسيت أنو الراديو دنب كلب متل ما شبهتو و هيكك عشاقنو متل روحك ؟؟
– لك بتعرف ولك حسون، أنا بضل اسمع اذاعة الانكليز و الاخبار، و بسمع أغاني بس أبنسى دنب الكلب ، أكيد مارح تفهم عليي بس مو مشكلة ، كان لازم تجي معي تشوف الاستاذ تتعلم
– مينو الاستاذ
– أكرم الحوراني
-20-
عندما وصلت تلك البرقية السرية للنقيب محمد معيوف، لم يبق أمامه إلا التحرك و عدم الانتظار ! قال نص البرقية :
بناء على أوامر عليا عليكم التحرك من الآن لإقامة مركز حدودي في منطقة خربة التين غربي حمص، و البدء بإقامة نقطة تفتيش للعابرين فيها ! و هي النقطة التي كانت حد الفصل الراسم لدولة الساحل . يبدأ التحرك فور استلامكم البرقية .
الكولونيل فيليب كاترو
قائد وحدات المنطقة الوسطى و الساحلية – جيش الشرق
طوى النقيب محمد البرقية و خرج خارج مكتبه طالباً من معاونه استنفار الحامية بكامل جنودها ، فنفذ الأمر في الحال . ثم وقف خطيباً بعسكره :
يا جنود سورية العظيمة
وصلتني برقية من القائد الفرنسي تأمرني بتقسيم البلاد و تحويل هذه الحامية إلى شرطة حدود بين الداخل و الساحل ، شو رأي السوريين ؟
هتف السوريون و كان عددهم يربو على المئة و عشرين جندياً ( عاشت سورية موحدة ، عاشت سورية حرة موحدة ) .. تابع محمد :
-يا شباب من يريد مثلي رفض تنفيذ الأمر يقف هنا و أشار لجهة اليمين و من يريد تنفيذ البرقية بقف هنا و أشار لجهة الشمال بيده !
وقف الجنود السوريون و قائدهم محمد معيوف في جهة اليمين، بينما تحرك الملازم بانو السينغالي نحو اليسار و تحرك معه عشرون جندياً جلهم من جنود المستعمرات .. قال بانو :
-هذا تمرد عسكري عقوبته الإعدام
هنا سحب النقيب محمد مسدسه و صوبه نحو بانو قائلاً :
-انت و من معك بتعرفو انو في عشرة كليومتر بيننا و بين لبنان، انطلقوا جميعاً رملاً إلى لبنان من الان .. كان المشهد شديد الهمرجة و الفوضى و لكن محمد أطلق نار مسدسه في الهواء ! فجرى بانو و معه ركبه عزلاً من أي سلاح ، بعد أن جردوا من أسلحتهم .
صاح النقيب محمد :
-يا رجال بكامل العتاد القتالي جميعاً و الكل ورائي
و ماهي إلا دقائق حتى كان الرجال المئة و العشرون يمشون وراء قائدهم الشاب مدة نصف ساعة حتى وصلوا إلى طريق طرابلس .. هناك على الطريق أوقف النقيب محمد بوسطة متجهة من طرابلس إلى حمص ، و أصعد كل عساكره فيها و على سطحها حتى تحركت بصعوبة بالغة .
في مساء ذلك اليوم الحزيراني وقف عسكر حامية تل كلخ و قائدهم محمد معيوف أمام منزل الرئيس هاشم الأتاسي في حمص .
يتبع