قضية ” البوركيني” تُعيد طرح مسألة استثمار المفاهيم والحقوق الانسانية العامة لمصلحة الرؤية الفئوية أو الفردية الخاصة دون إيمان أو احترام لتلك المفاهيم و الحقوق العامة ، مما يجعل تلك المطالب تبدو للوهلة الأولى مُحقّة …
لا يمكنك منطقياً أن تُمتّع نظرك ونفسك أينما حللت ، وتحرم الأخر من التمتع بنظره أينما حللت أيضاً …
فمن غير المقبول مبدئيا ً فرض نمطك الثقافي الخاص -الناتج بالأغلب الأعم عن عوامل ليس لها أية علاقة بحرية الاختيار والتعبير والمعتقد لديك – على أمكنة لها شروطها الثقافية والادارية الخاصة ، بذريعة ” وجوب ” احترام حرية الرأي والتصرف … الخ وأنت لا تؤمن بها أصلا ً إلا لنفسك دون جماعتك حتى ..
فالحق بالاعتقاد ليس حقّاً بما يخصّك تفرضه على الأخر بحيّزه المكاني والثقافي الخاص به ، وترفضه له في ذلك الحيّز أو في حيّزك المكاني أو الثقافي ، وكذا الحق بالتعبير ليس حقّك الخاص بالتعبير دون غيرك ، ولا هو خلط بينه وبين الشتائم وخرق الخصوصية بِما يخصّ غيرك ، وفي حال دفعت الأخر دفعاً عبر فعلك الضاغط لممارسة ذلك كرهاً ، تتذرع بمخالفة الأخلاق والقانون ومُقدّسك الخاص الذي لا تؤمن به له بمواجهتك ، وكذا الديموقراطية ليست صندوق انتخاب لأكثرية عددية تجلبها عبر القهر الديني والسلطوي الذي تحرم الأخر فيه من حرية الاعتقاد والتعبير … الخ لتتذرع فيها بالفوز ومن ثم ترمي السلُّم بعد أن وصلت سطح التسلط والسلطة … الديموقراطية شأنها شأن المفاهيم والقواعد العامة الانسانية الأخرى ” وكذا الحق بالطعام والشراب والجنس والسكن والأمان والاهتمام والرعاية ..الخ ” منظومة قيم متكاملة وليست اقتناص ما يلائمك وحرمان الأخر من بقية مفرداتها بذريعة مُقدّسك الخاص …
العالم ليس ” طنين ” رأسنا الخاص ، بل ” طنين ” رؤوسنا جميعا ً كما أن الأرض ليست على مقاس ” صبّاطنا ” …. وتلك المفاهيم والحقوق العامة يُفترض احترامها من أجل منطقية المطالبة بمفاعيلها الحياتية لنا ، وهي قواعد تضمن أفضل حُسن سير ممكن بالحياة في ظل اختلاف ” طنين ” رؤوس البشر …
فالحياة العادلة قائمة على مفهوم أساسي قديم ” الغُرْمُ بالغُنْمِ ” وكذا عكسها ، أما مطالبتنا بنصف المعادلة الجيد لنا ، ونصف المعادلة ” الصعب ” للأخر وبهذه الطريقة من ” التذاكي” فهي اضافة لكونها فعل غير أخلاقي مُستهجن فهي ” وقاحة ” تستحق العقاب والخضوع الملزم للقانون العام المشترك …
26 آب 2016