الماغوط و قاسيون أمام عدسة هالا محمد
فيلم ” إذا تعب قاسيون ” وبطله الشاعر ” محمد الماغوط ” يجسدان عالماً على اتساعه عندما يتحدث الشاعر عن تجربة سجنه عام 1955م عن خوفه ومعاناته ,عزلته وفقره , إذ تفتح عوالم محمد الماغوط أمامنا , بالكبرياء والتواضع بالخوف والشجاعة , بالحزن والفرح فتتسلل تلقائية في منتهى الشفافية عبر الفيلم الذي عرضه المركز الثقافي الفرنسي من إخراج الشاعرة ” هالا محمد ” حيث انطلقت من قاسيون إلى غرفة الماغوط الضيقة بكاميرتها وتتتالى المشاهد واللقطات المختلفة في تراتبية فنية تحلق بشاعرية متألقة ناشرة فعلها الدرامي ,من خلال وثائق – إنسانية – حقيقة – يعلنها شاعر حر – أما المشاهد أتت متحررة من طغيان المكان الضيق باستخدام حلول إخراجية تعددت وتلونت تستثمر الإضاءة والزوايا و الموسيقا والأشعار المختارة كي تنطلق إلى عوالم وعوالم بمفردات سينمائية شكلتها المخرجة كشاعرة تصوغ قصيدتها الجميلة بكثير من الحب فتتسابق إليها إنسانيا ومشاعر , عواطف وتفاصيل غنية إذ تحدث الماغوط عن الخوف والفقر عن المنع والحرية عن قصة حبه لزوجته , تحدث بحال الشاعر الثائر على كل شيء يبث محطات حياته الملونة ليبدو ممثلاً أتقن الحرفة وأبدع , يبكي بضعفه الإنساني عند الحزن ويضحك كالأطفال لمفارقة بسيطة , لنشهد عالماً متداخلاً بحق بين الإنسان والإبداع والحرية , حياة شاعر بعين شاعرة ,لذلك تجتاز المفردات فضاءاتها وتنطلق إلى آفاق هي على حجم الحرية وقيمة الإنسان , وبقدر ما امتازت تلك التجربة بالخصوصية على نفس القدر كان اتساعها وعمقها ويكون العالم بأكمله يغزله الماغوط بقصائد وأشعار و إبداعات رأى أساسها في السجن والخوف والمعاناة وقد اعتبر كل ذلك بواعث إبداعية فجرت ثروته الشعرية .
” إذا تعب قاسيون”مقاربات بديعة ربطت بين الوطن والقصيدة والإنسان ,حول الفيلم تحدثت المخرجة الشاعرة هالا محمد فقالت : دخلنا التجربة بهدف الاستغزار للغة الإنسانية المتواجدة في الدواخل تلك اللغة المشتركة أصلاً بين الجميع فأظهر الفيلم ” محمد الماغوط ” إنساناً أحب الجمال فحتى البشاعة يحكي عنها بحب , تشعرك امتلاكه لحالات جمالية وقد تجلت روح الماغوط البرية وقدرته على صون تلك الروح ثم الحفاظ على انعتاقها الدائم , فمن شدة حبه للحرية لم يكن قابلاً للترويض فلا التكريمات ولا الترحيبات ولا الجوائز أثرت عليه ورغم ميزاته الشخصية ونزقه , احترم الماغوط فكرة الفيلم ورحب بها معتبراً أن التأسيس لحالة – فتح الملفات المحظورة – ضرورة في غاية الأهمية بشرط الابتعاد عن روح الانتقام والاقتراب من الحرص على التعلم , فاتفقنا على الفكرة وحضرنا للفيلم على مدى ستة أشهر , وتعامل معي الماغوط كممثل يمتلك الحرفية الكاملة لإيصال ما يريد .
وعن تأثر الرؤية الإخراجية بالرؤية الشعرية أكدت الشاعرة هالا محمد قائلة : يستفيد الإنسان من ثقافته وحسه الجمالي ومعرفته الحياتية التي تصقل روحه فتظهر آثارها في كل نواحي نتاجه الإبداعي فكوني شاعرة ساعد ذلك المخرجة في الاختزال والتعبير ,في التكثيف والبحث عن الإيقاع الخفي الذي يشبه نبض القلب عند الإنسان وآمل أن أتمكن من تحقيق هذه المعادلة ,فبالنسبة إلى اللغة الإنسانية هي الحامل الجوهري لكل القيم والمفاهيم , فالشعر يختزن الموسيقا والصورة والضوء ,يختزن أيضاً حالات الوعي و اللاوعي , ودلالات تترك للقارئ وللزمن كشفها , قبولها أم رفضها ,السينما أيضاً تختزن نفس الحواس , الكثافة الإيقاع , البحث والبحث الإنساني , فعبر عملية بحثنا في هذه الحياة نبحث عن جوهر إنسانيتنا وعن مكان لنا , لعل هذا المكان هو الأثر الذي يطمح الإنسان بتركه قبل أن يغادر هذه الدنيا الجميلة , فالشاعرة ساعدت المخرجة ,والمخرجة ساعدت الشاعرة كما أنه في المتلقي والمشاهد شعراء مبدعون . عن سؤال ” تصنيف الفيلم ” من وجهة نظرها أكدت المخرجة قائلة:
يمكننا اعتباره فيلماً اجتماعياً أو ثقافياً أو اقتصادياً أو سياسياً ,ففي النهاية كل شيء يرتبط بالسياسة تلك التي تساهم في صنع حياتنا , وإن تقصدت ألا أقترب من أي كلمة في السياسة , فالهدف رفع ذلك السقف المستعار الذي يضيق على الحرية , فالجمال موجود في الحرية وتقييده يقتنص الكثير من ملامحنا الإنسانية .
آنا عزيز الخضر – الجمل