°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
عيـســـى ابــراهـيـم

مُضي الوقت – 4 –

– مَضى حوالي ست سنوات، حتى الآن ، دون إحداث أي تغيير إيجابي لمصلحة السوريين ، بل تمٌ تدمير للبنية التحتية السورية ومقتل حوالي مليون سوري وتشريد ثلثي السكان داخلاً وخارجاً ، ومئات ألاف المعتقلين ومئات ألاف الإعاقات البشرية المتنوعة ومئات ألاف الأرامل والأولاد مجهولي النسب وتهجير قرى وبلدات كاملة وقدوم جماعات بشرية من خارج سوريا واستيطان بعضها هنا…. الخ
يبدو بعد كل هذا المشهد الكارثي ، وحده الأسد الإبن لم يتعرض لأي خسارة بالمعنى الشخصي والأسري والمالي الخاص به ! رغم أن الإنتفاضة الشعبية التي بدأت في أذار 2011 تجسّدت على هدف واحد لعدة أشهر هو هذا الشخص وبأن يقوم هذا الشخص عينه ، بإعتباره مُطلق الصلاحية الدستورية والواقعية ، بإجراء تغييرات جدّية تُحسّن من جودة حياة السوريين في الحياة العامة والسياسية بالخصوص .
وبعد ذلك تعدّى الأمر الى المطالبة بإزاحته وصولاً الى المطالبة حالياً بمحاكمته كمجرم حرب لتسببّه ، بشكل مباشر أو غير مباشر أو بحكم المسؤولية الإدارية ، عن كل ما تقدم من تفاصيل تلك الكارثة الانسانية المستمرة …!
وكان في كل تلك الفترة والآن مستهدف مفترض لكل القوى الراغبة في التغيير ..
بعد كل ذلك يظهر الأسد الإبن دون أية خسارة شخصية وعلى أي مستوى في ذلك …!
بل أن موارده الاقتصادية من خليوي ونفط وغيره ، بما في ذلك التجارة مع داعش والتنظيمات المتطرفة في هذا الأخير حققت إيرادات كبيرة على حساب الميزانية والثروة السورية المهدورة وعلى حساب السوريين ، و تزايد رأسماله الشخصي والعائلي وكذا رأسمال أفراد المافيا التي تشاركه إدارة البلاد والإستيلاء على السلطة ..
في الوقت عينه الذي يُعاني فيه السوريين كل السوريين ، وعلى طرفي الصراع المفترض ، من كارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخهم وفريدة في التاريخ الإنساني !
ويُقدّمون الغالي والنفيس ويتم التضحية بهم وبأولادهم وممتلكاتهم !
السر في كل ما تقدم ، أن الأسد الإبن ، تصرف ويتصرف ، كفرد من مافيا يستولي على السلطة ويستثمرها مع أخرين ، ولا يتصرف كرجل دولة، مسؤول عن دولة وعن مواطنيها ، لأن في إدراكه هذا الأمر الأخير وحده ، كان يُمكن وقف المأساة السورية من قبله في بدايتها وعند قتل أول سوري ومن أي طرف .
بإعتبار هذا القتل يُشكِّل لرجل الدولة في منصب الرئاسة المُفترضة ، تحدًّ أخلاقي وقانوني ومجتمعي كبير يجعله خاسر بحكم مسؤوليته المجتمعية والأخلاقية والدستورية …!
أمّا وأن الأسد الإبن لا يتصرف بهذه العقلية ، عقلية رجال الدولة ، بل بعقلية الفرد الراغب بالبقاء بالسلطة ولو قُتِل السوريين كل السوريين بمن فيهم العلويين ضمناً ، فالقتل والخراب مستمر ، بل ومطلوب منه كشخص ، للتّنصل من إستحقاقات التغيير التي لا يقدر شخصياً وموضوعياً على تلبيتها ، لأنها تذهب به ، مهما كانت هذه الإستحقاقات صغيرة .
وحيث الشعار الكبير ” الأسد أو نحرق البلد ” الذي جسّد موضوعياً تداعيات التفكير الفردي والمافياوي للأسد الإبن في إدارة الصراع والموت والإستثمار فيهما ، كرجل غير مسؤول بالمعنى الأخلاقي ، من خلال استثماره الشخصي ، في تشابك الصراع وأدواته في سوريا قلب العالم القديم – الحديث ، واستثماره أيضاً موقع ” الرئاسة ” المستولي عليه بالقوة ، كأحد مظاهر الشرعية ، التي تُخوّله توقيع اتفاقات ترهن الوجود السوري كاملاً لعقود لاحقة ، لمصلحة قوى دولية وإقليمية .
لكل ذلك أيضاً كان مآل إدارة المجتمع السوري ومواجهة متطلباته في التّغيير ، بهذه الطريقة الوحشية وغير المسؤولة القائمة على الأنا المتضخمة التي إبتلعت مفهوم الوطن والمجتمع …
وكانت فرصة لا تتكرر لهذه القوى الإقليمية والدولية لتلقف هذه النقطة في إيجاد موطيء قدم لها في الوطن السوري عبر الإستثمار في خرابه ، فالأمر وأن بدا ملمحه بالتواجد الروسي والايراني ، بيد أنه يصل الى دول إقليمية ودولية أخرى بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية …
وهل هنالك مرتكز أفضل في تحقيق هذا الخراب ، من عقلية شخصية تنظر لما يجري، كحرب لوجودها الشخصي وليس بقاء الوطن !؟.
فلا تُلام هذه الدول على تحقيق مصالحها، فالعالم ليس نادي خيري …!
بل يُلام وتجب محاسبة من يملك موضوعياً المسؤولية الدستورية والأخلاقية المُفترضة .

إن إستقلال سوريا في 17 نيسان 1946 الذي تمّ على قاعدة توافقات دولية استثمرها السوريين حينها بذكاء للحصول عليه ، والبدء ببناء وطن ومجتمع سوري …
هي القاعدة عينها التي تلقفها الأسد الأب ومن ثم ورّثها لإبنه ، ولكن هذه المرة لمصلحة واستمرار حكم الفرد والعائلة …. !
وليس بناء مجتمع ووطن !
وهي عينها التوافقات الدولية التي يجب أن تُراعى من خلال قيادة سوريا الحالية والمستقبلية ، وهي المطلوب تبنيها وإحترامها من نخبة سياسية سورية ، تتصرف كرجال دولة مسؤولين عن كل سوري وسوريّة مهما كان موقفه السياسي ، ففي ذلك مدخل مهم للوصول الى إنتصار في إرادة التغيير والإنتقال الى سوريا جديدة ، بعد تحرير موقع السلطة السورية، من المافيا التي تستولي عليها بالقوة وعبر تحالفات دولية ..
وحتى يأتي هذا الوقت الذي يَعي سوريين مدركين ؟ هذه المعادلة السياسية ، التي تُشكِّل غطاء وإستقرار لأي إصلاح داخلي حقيقي وفي كل المستويات …
حتى ذلك الحين سيبقى الأسد الإبن مستثمرا ً في الخراب السوري ومن كل صوب ، بما يضمن بقاؤه ونمو ثرواته وثروات مساعدي الخراب لديه، من أقرباء وعناصر إثنية ودينية متنوعة تستفيد منه ومرهون وجودها به وعبره ، كقوة مسيطرة إقتصادياً ووجودياً..
والسرعة في تشكّل هذه النخبة السياسية السورية الجديدة ووعيها لموقع سوريا ودورها وضروراتهما هو الكفيل بوقف استمرار موت السوريين وخراب سوريا ، وبداية تبلور مصلحة دولية واقليمية تساعد في التّخلي عن الأسد كحارس أمين لمصالحها على حساب المصلحة السورية . وتقبل على مضض موضوعي تبني بديل حقيقي في إدارة الدولة السورية الجديدة المأمولة .

16 آب 2017