ما جرى إبتداءً من آذار 2011 كان ثورة مجتمعية ” المعنى الاصطلاحي لا التفاضلي للكلمة “، وإنفجار مجتمعي ، ناتج عن إحتقان مُزمن بسبب إدارة غير مسؤولة ، أدارت تناقضات مجتمعية موجودة ، وأوجدت تناقضات جديدة ، من أجل ضمان إستمرار السلطة بيدها، كمافيا حكم استولت على السلطة والثروة السورية والوجود السوري العام ، هذا الوجود الذي يُعاني أصلاً من إرث تاريخي ضخم من مَعُوقَات التنمية على عدة صعد ، فعلى الصعيد المجتمعي ، المجتمع السوري ليس مجتمع واحد مُتجانس بحد أدنى ، بل هو جماعات بشرية لا رابط مشترك واقعي بينها، جماعات بشرية محشورة حشراً ضمن الحدود الحالية ، ولكل واحد من هذه الجماعات نظرتها المختلفة لمفهوم الوطن والأمة والشعب وأولوياتها في كل ذلك ، وتُعاني هذه الجماعات من وعي دون وطني أو فوق وطني ، مُتمثل في الأخير بإعتبار سوريا دار ممر مؤقت لدار مقر أكبر ونهائي ، وأُلغي الوجود السوري الواقعي الوحيد المتجسد بالوطن السوري ذو الحدود والقوام المعروف ، لمصلحة تلك الايديولوجيات المختلفة ذات التصورات المُتباينة والمآل المختلف الذي شكّل غيب ووهم سياسي ، سُرق الوجود السوري من خلال تشجيعه عبر مافيا حكم تدير لعبة تناقض مجتمعي وتُسوق وهم إنتصار غير محدد وغير قابل للقياس في كل صوب ، إلا في الواقع السوري المُعاش .
والمحاولات القليلة للبدء بخطوات خجولة لحياة سياسسة طبيعية ومواطنة طبيعية سوريّة ، من خلال المؤتمر السوري العام ، أو بعض مظاهر بناء مشترك إنساني في ظل الإنتداب الفرنسي والتجربة المهمة القصيرة التي تبعت الإستقلال وأمتدت حيناً بعده ، والمتعثرة بعدة انقلابات عسكرية ، كل هذه المحاولات لم يتم البناء عليها من قبل هذه السلطة للإستمرار في ذلك الدرب الطويل من التمدن والمواطنة ، خاصة بعد أن جُمد وأُنكر في فترة الوحدة السورية ، بل تمّ بشكل نهائي القضاء عليه بإنقلاب 1970
لذلك فأن هذه البنية الإدارية التي لم تتصدى لحل رواسب تاريخية مُعيقة في بينية المجتمع السوري ، بل عمدت لخلق مشاكل جديدة، لضمان استمرارها على سطح الصراع المجتمعي ، و على متن الدور الوظيفي المقبول عالمياً ، في منطقة هي قلب العالم القديم والحديث وتداعياته ، هذه البنية الإدارية المافياوية المستمرة منذ حوالي نصف قرن لم تكن جاهزه أو قادرة بنيوياً وموضوعيا ً وبشخصيات أفرادها ،للبدء بعملية تغيير وإصلاح سياسي ، لأن مجرد البدء بذلك هو بداية النهاية للنظام السياسي الذي تمتطيه ، حتى أن هذه البينية لا تستطيع القيام بإجراءات بسيطة متعلقة مثلاً بمحاربة الفساد بسبب تربّص أفرادها بعضهم ببعض وعضوية علاقاتهم …
لذلك فأن أول التدابير ” الإصلاحية ” المُفترضة ، كانت مرسوم عفو رئاسي رقم 61 تاريخ 31 أيار 2011 أُطلق بموجبه الأسد الإبن سراح مجرمين جرائم عادية ومرتكبي جرائم بحق مواطنين، ومجرمي إرهاب وتطرف ومن سجن صيدنايا ، ولم يُطلق أيّاً من معتقلي الرأي أو النشطاء السلميين ..!
مُشيراً بذلك للطريقة عينها من معالجة الأمور كما في أحداث الثمانينات ،
ومن أبرز من أطلق سراحهم زهران علوش ابن عبد الله علّوش الذي كلّفه الأسد الأب كسلفي من خريجي المؤسسة الوهابية السعودية ،بتأسيس معاهد الأسد لتحفيظ القراءن في دوما 1985 !
وكذا أطلق معه إرهابيين أخرين تجاوز عددهم الألفي شخص
ليتحول هؤلاء حسب مناطق تواجدهم وتوجهاتهم ، الى قادة فصائل متطرفة ، أو كتائب دفاع وطني ، ساهمت كلتاهما في تحويل الصراع من صراع من أجل مطالب مُحقة الى صراع بين ” الأسد – الدولة ” و ” المعارضة – الإرهاب ” ..
وهي مسألة فلتت مع الوقت من يد الأسد الإبن ، وتلقفتها وتلقفته لاحقاً، قوى إقليمية ودولية ليتحول الجميع بما فيهم الأسد الإبن ومن حيث المآل الى قادة فصائل تتبع مرجعيات اقليمية ودولية وعلى حساب الوطن السوري ، والسوريين كل السوريين .
خاصة في ظل إرادة دولية متناغمة بين قوى مختلفة ، رأت في شمّاعة الإرهاب طريقة مهمة في تفريغ عنفها الداخلي أو أدوات لتحقيق مصالحها ، سواء إيران أم تركيا أو الخليج ..
بل أن النظام كان قد مهّد لهذا الأمر ، ليس فقط عبر إجراءإطلاق سراح المجرمين والارهابيين من سجونه ، وهي خطوة أتبعتها دول أوروبية لاحقاً ، خاصة فرانسا بخطوة مماثلة ، بإطلاق مجرمين وإرهابيين متأسلمين ” أعلن منذ يومين وزير داخلية فرنسا جيرار كولوم بعودة 271 متشدد من سوريا والعراق ” ، أو بمساعدتهم للوصول الى ” الجهاد ” في سوريا ، حيث كان زعيم ” المهاجرين ” التركي يُعدُّ لهم مخيمات تدريب في ماردين وغيرها ، تحت عباءة الشعارات الطنانة غير القابلة للتحقق من صدقيتها ، المعطاة ل” لأنصار “السوريين التائهين من سقوط البراميل والصواريخ العائدة للجيش الوطني الذي حوّله الأسد الابن ، بمعزل عن النوايا الطيبة لكثير من عناصره ، حوله لأداة قتل بحق السوريين ، تُلاقي الإرهابيين في هذا الصدد …
كان مهّد لهذا الإجراء أيضاً بإطلاق فضائية دينية..! في الوقت الذي كان يطلب السوريين حياة سياسية طبيعية وتداول سلطة وحرية عمل سياسي وتمكينهم من منابر الاعلام الوطنية للتعبير عن أراءهم ..!
وهي أمور ساهمت ، إضافة للدور الوظيفي لنظام الأسد الإبن المدعوم أمريكياً وإسرائيلياً ، وستساهم مع الوقت بتعويم الأسد الابن في ظل عدم وجود نخبة سياسة سورية قادرة على تحمل مسؤولية قيادة سوريا في هذا المحيط الإقليمي والدولي الهادر ،
ومازال الأسد يستمرأ هذه اللعبة في تحويل الصراع من بُعده المطلبي بما يخص توزيع الثروة والبدء بحياة سياسية طبيعية ، الى صراع بين ” الدولة ” والارهاب ” رغم كل ما سبق من بيان دوره في دعم الارهاب وتوجيهه ضد السوريين بغية تمييع مطالبهم، بل أنه وبموجب أخبار تتوارد في الإسبوع الماضي أعدم ناشط سلمي عالم في مجال التقني يدعى باسل خرطبيل الصفدي في الوقت عينه الذي أطلق سراح سوري أخر متهم بقضايا إرهاب هو حسن صوفان بعد إثنا عشر سنة حبس ، والذي سرعان ما التحق فور خروجه بأحد الفصائل المتطرفة بل عُين رئيس لحركة ” أحرار الشام ” ! ، في لعبة مكشوفة منه بإستمرار تظهير ثنائية دولة وأرهاب ، بدلاً من شعب يريد التغيير ومافيا مستولية بالقوة على السلطة والثروة !!!
وما زالت الدول الفاعلة تُجاريه في هذه اللعبة التي أصبحت ممجوجة مع الوقت …!
ولكل من هذه الدول غايتها المصلحية المُختلفة عن الأخرى ، والمتناغمة جميعاً ضد الوجود السوري، على حامل موضوعي شخصي هو هذه المافيا الحاكمة التي هي جاهزه لتدمير سوريا دون تقديم أي تنازل بإتجاه التغيير السياسي أو التوزيع العادل للثروة .
7 آب 2017