°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
عيـســـى ابــراهـيـم

عَلمَانية الدستور في سوريا حاجة مصلحية مُلحّة للجميع ، خاصة للمتدينين .

بلاد متنوعة من الناحية الإثنية والدينية مثل سوريا  ، تحتاج دستور عَلمَاني ديموقراطي غير مُوارب ، يعتمد فصل السلطات ومفاهيم حقوق المواطنة دون أي تأطير أيدلوجي ديني أو اثني بذريعة الأكثرية والأقلية ، دستور يعتبر الدولة  ليس مهمتها الصلاة والصوم …الخ  بل جهاز اداري محايد لتأمين حقوق وواجبات المواطنين باعتبارهم مواطنين في دولة  قائمة ، لا رعايا في ممر  أرضي مُفترض باتجاه الجنة أو وطن كبير مُفترض بذهن حالم ذو توجه إمبراطوري وامكانيات قزمية في التفكير والإمكانية والإرادة ….الخ 

فسوريا خلافاً للوهم المنتشر لا يوجد فيها أكثرية ، بل هي مجموعة من الأقليات الدينية والإثنية المتداخلة مناطقياً والمتنافرة فكرياً بآن ، الجمع القسري لتشكيل أكثرية لطرحها والاستقواء بها أمر لا يستقيم مع الواقع ، فلا يمكن اعتبار العلويين والموحدين الدروز  والمسيحيين  والمرشدين والاسماعيلين مع السنة عرباً للإستقواء بهم تجاه الكرد وغيرهم ، وبنفس الوقت إعتبار الكردي  والتوركماني والشركسي ..الخ سني للإستقواء به من أجل تشكيل أكثرية بمواجهة الأقليات خاصة العلويين ، فهناك تداخل  ديني كبير وتنافر اثني  ، كما هناك تداخل اثني وتنافر ديني ، على صحة الافتراض الاثني والديني أساساً. 

وهذا الطرح التلفيقي ” المعنى اللغوي للكلمة لا التفاضلي للكلمة “  الأكثروي سرعان ما يكشفه الواقع ، خاصة إذا تجاوزنا الاصطفاف المراد له الصحة في سوريا ، باعتبار سنة بمواجهة ، علويين ، وعرب بمواجهة كرد، وكل تبعات ذلك من التواطؤات السوريّة ، حيث يجتمع كارهين اثنين  من الفئات الدينية  والإثنية السوريّة ، بل والأفراد، ضد فئة ثالثة ، أو شخص ثالث ، لا محبة ولا إتفاق على كلمة سواء يُعتمد عليها في تأسيس عقد اجتماعي ولو على الغلبة والقهر والعدد الأكثري الموهوم ، بل تأجيل خلافات مستفحلة بينهما ،  للقضاء على ثالث ، لقتله بالمعنى المعنوي إذا لم يكن بالمعنى المادي  ، قتله كفعل  أولى وأشد إلحاحاً من القتال مع بعضهما ،  ومن ثم لكل حادث حديث ..في فلسفة خداع وتقية وتمكين نُجيدها  نحن كسوريين بالأغلب الاعم  ، أساسها  الخوف والهلع ، الذي يتمظهر ثقة وايمان وشجاعة ، الذي يُكوننا ثقافة وتشاطراً ، فنبرز كشجعان ، شجاعتهم مستمدة من خوفهم المتجذر …

فالدستور العَلمَاني  الديموقراطي ، يضمن الإيمان الديني وكذا عدمه ،  وكل تعبيراته الثقافية والطقسية  ، ويحميه ، ويمنع بذات الوقت استثماره في السياسة كما شأن الدستورين الدينين  الايراني والسوري الحاليين . 

وحتى أستطيع توضيح مقصدي بشكل عملاني دون شرح فكري طويل ،  فالدستور العلماني الديموقراطي هو نفس دستور الدولة التركية الحالي ، الذي يتباهى به  العرب  السنة السوريين ، هاربين من  الدستور السوري الديني  الحالي ، الديني بكل تفصيل فيه مهما كان صغيرا ً،  راضين العيش بظل الأول هاربين من ظل الثاني ، وهو الدستور المناقض للدستور السوري والإيراني الدينين ، المعجب بهما من قبل أبناء الأقليات واليسار عموماً ، والغاضّين الطرف عن دينيتهما ،  وعن علمانية الدستور التركي ، على ثنائية المحبة والكراهية  المؤسسة للمعرفة المجتزأة المحببة ..

 حيث من المفارقات أن الدستور الديني السوري الحالي ، يصر ، كما يصر السنة ،خاصة العرب على أن دين رئيس الدولة هو الاسلام ، رغم عدم الحاجة لذلك بناء على افتراضهم  أنهم أكثرية ، فإذا كانوا فعلاً أكثرية فلا داعي للنص على ذلك ، فلن يأتي أحد ليكون رئيس سورياً مثلاً ، بحكم أكثريتهم ، مخالفًا لإرادتهم  التي تُصوّت وتنتخب ، وبنفس الوقت بعدم  إصرارهم النص على دين رئيس  الدولة هو الاسلام ، تُحسب لهم نقطة إيجابية فيه ، هي عدم الفئوية والتخصيص في الدستور لجهة دين رئيس الدولة  .!