°
, December 9, 2024 in
آخر الأخبار
عيـســـى ابــراهـيـم

نعم لكلمة ” سواء “

” العٓلمٓانية ” من العالم ، مصطلح مختلف عن ” العِلمَانية ” من العِلْم ، الأولى تعني المناخ السياسي والإجتماعي والقانوني الذي يحكم الدولة والمجتمع بحيث تكون الدولة جهاز إداري محايد حياد إيجابي لتأمين منافع ومصالح الناس ، وهي على مسافة واحدة من جميعهم ولا تتبنى دين ولا ترفض دين ، فالدين للناس لا للدولة ، وهي تضمن الإعتقاد الديني وغيره وتُمكن المواطنين من تأدية حقوقهم عامة بما فيها الحقوق الدينية وبدون طغيان …. الخ
وما وَصَم هذا المصطلح من دعاية سيئة ، بسبب جهله أو خلطه مع المصطلح الأخر ، لا يبرر بحال فك الإلتباس الحاصل عن طريق تبني مصطلح أخر هو ” المدنية ” الذي لا أساس لها في علم الإجتماع السياسي ، وأُطلق منذ فترة وتم تبنيه من قبل مجموعة سياسية سورية كمفهوم ملتبس غير واضح وحمّال أوجه ولا يمكن الرجوع لتعريف علمي إجتماعي سياسي محدد غير ملتبس ليكون فيصلاً ومعياراً في نمو التجربة السوريّة الجديدة .
لذلك أزعم أن الحل في إزالة سوء الفهم هو توضيح مفهوم ” العَلمَانية ” للسوريين وبيان مفرداتها الأساسية وتجلياتها الدستورية والقانونية والإجتماعية بما في ذلك علاقتها بالدِّين وغير ذلك مما يُزيل سوء الفهم( بل لا بأس من بيان العَلمَانية السورية الواضحة غير المتلبسة ) ، بدلاً من الذهاب من هذا المعلوم الى مجهول ” المَدَنية ” وملتبسها …
سوريا بلد مُركَّب أيديولوجياً وإثنياً ودينياً ومناطقياً حتى داخل الطوائف هنالك فهم وقراءات مختلفة للنص الديني المشترك  وتطبيقه بالحياة ،وهذا ما هو معروف تاريخياً حيث بالأغلب الأعم مثلاً كان الإسلام السني هو حامل الوطنية السورية التي قامت بالأغلب الأعم أيضاً على تبني قيم ومناقب التسامح وإعتماد القانون وإبعاد الدين عن السياسة …. الخ
لدينا إرث مُركَّب أيديولوجي واثني وديني مناطقي … الخ
وهو إرث محترم يحتاج كما في بقية  العالم الى عملية إصلاح وتطوير ليليق بالحياة الجديدة كما كان لائقاً بها عندما كان ..
من خلال قراءتي مثلاً للإرث الثقافي والأخلاقي الإسلامي ، الذي أعتبره شخصياً ركناً أساسياً من هويتي الوطنية السورية التي هي مصدر إلهام وتَدبّر دائم لدي ، لاحظت إن الإسلام من خلال تفريقه بين قسمين هما:
– قسم العبادات الذي هو قسم ثابت معياري فيصلي لا يمكن تبديله لأنه جوهر الإيمان وأركان الإسلام الخمسة .
– قسم المعاملات المُتبدل بتبدل المكان والزمان والأشخاص وحاجات الناس …ومن أهم ما يُساق كدليل في هذا السياق هو حادثة تأبير النخيل ، حيث قال الرسول المصلح والنبيل محمد .. أنتم أدرى بأمور دنياكم …وكذلك “الخلافة ” بما فيها من ملاحظات هنا وهنالك طُرحت حينها ، وبقيت مفهوم دنيوي حياتي تدبره المسلمين حينها بما يُلبي حاجاتهم المستجدة … وغيرهما مئات بل وألاف الأمثلة التي تدل على هذا النهج الذي يؤكد إن الإسلام دين ملائم للعَلمَانية وهي ملائمة له وبشكل فريد ، ولعل تجلّي ذلك كان واضحاً في كل الأنظمة اللاحقة تاريخياً ، بمعزل عن التقييم التفاضلي هنا ، بل كان واضحاً وجلياً في سوريا وأكثر وضوحاً لدى أباء الإستقلال المؤسسون من السوريون السنة ، حيث تدينهم المشهور والمشهود له كان حافزاً وملهماً لديهم ولهم لتبني قيم الحداثة ومفاهيمها في السياسة والإجتماع والقانون ما أمكن تطبيق ذلك …
سوريا تحتاج لكلمة ” سواء ” تتجسد بالقانون والمواطنة وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة ونظام سياسي اجتماعي دستوري قانوني يضمن الحفاظ على هذه الطبيعة المُركّبة للمجتمع السوري والوطن السوري ويُحفّزها للتطور والانخراط في بناء عقد إجتماعي جديد يُنجينا من الوقوع مرة أخرى ضحية لنظام أمني ديكتاتوري يجمعنا بالقسر والقهر فُيخرج بإجرامه أسوأ ما فينا من تطرف بعد أن سرق منا وجودنا وثرواتنا …
نعم لكلمة “سواء” للسوريين كل السوريين ، تبدأ بمحاكمة المجرمين وإدانة الإجرام أيّاً كان مصدره وعلى معيار الحق والواجب .