-14-
جلس النقيب محمد معيوف في مكتبه بقيادة حامية تلكلخ يفكر ملياً بالكلام الذي دار بينه و بين الكولونيل الفرنسي ( فيليب) عندما كانا قادمين في الجيب العسكرية من حمص . كانت كلماته تبدو ككلمات رئيس عصابة يخطط لسرقة كبرى ، و يحاول أن يغري آخرين ليتعاونوا معه .. قال فيليب لمحمد بالفرنسية التي يجيدها :
-يا محمد لقد اتخذت قيادة الشرق الفرنسي قراراً بتعينك قائداً لحامية تلكلخ، لان هذه الحامية المؤلفة من عدة مئات من الجنود ، ستكون نواة للجيش العلوي الذي سيكون بقيادتك ! و أنت تعلم أن أغلب العسكر من العلويين .
– سيدي ماذا تقول ، أنا أعلم أن الاتفاقية جاهزة لاعلان استقلال سورية
– هذا صحيح، و لكنكم مختلفون، أنتم علويون تستحقون الاستقلال مثل لبنان
صمت النقيب محمد لأنه كان يعلم أن المخطط أكبر من فيليب هذا، و أن عليه أن يعرف منه كل شيء أولاً ! و يبلغ قيادته في الحزب القومي و الشيخ صالح العلي.
استرسل فيليب :
-لدينا طلبات واضحة من بعض الشخصيات العلوية التي طلبت منا العمل لإنشاء دولة علوية محمد! لازم تفهم أننا نعمل لمصلحة الساحل و أهل الساحل . أنتم مختلفون و متحضرون و تستحقون حياة أفضل ! لماذا تظن أن أغلب جيش الشرق من العلويين، لأننا نثق بكم ! .. هنا لم يتمكن النقيب محمد من السكوت فقال :
-سيدي الكولونيل لقد حاربكم الشيخ صالح طويلاً و أنتم تعرفون أن العلويين فقراء بعيدون عن المدن و الحواضر و بالكاد يجدون القوت.. هذه هي الحقيقة ، و لكني ألحظ أن جهاز الشرطة ليس لهم أليس كذلك ؟ ( قالها ساخراً )
– ( ضحك فيليب) هذا ما توقعناه يا محمد معيوف، فأنت لست ضابطاً فقط بل تصلح لتكون من أمهر السياسيين ! و لم لا تكون رئيساً لدولة الساحل ؟؟!
كان محمد معيوف يفكر في هذا الحوار ملياً و يتساءل عن مخططات الفرنسيين الحقيقية، و هم يدعون أنهم مغادرون قريباً للبلاد .
في هذا الوقت دخل إلى مكتبه أحد الجنود و أدى التحية العسكرية، قائلاً :
-سيدي يتسمح لي بخمس دقايق من وقتك ؟
-اي يا عيدو شو المطلوب
– عندي إبن شب بدو يفوت ع الحربية بتساعدو سيدي ؟
– لشو أبتخليه يصير دكتور أو محامي كلكين بدكين الكلية الحربية ؟!!
– سيدي بيحضي أمعي طعميه هو و إخوتو و بالحربية بياخد معاش من أول شهر! و بيصير يعاوني
– أوووف لك صار جيش الشرق كلو علوي شلون بدنا نعمل استقلال ! قلي يا عيدو آه ؟ … انت مانك ملاحظ أنو هادي كلها مقصودة من الفرنسيين ليقسموا سورية !! ؟
– سيدي أفيني قلك شي غير أنو البيقولو الشيخ صالح العلي هو الصح
– صدقت … كتبلي اسم ابنك و مواليدو هون ع الورقة و ان شالله بيصير خير .
– الله يطول عمرك
-15-
استفاقت عائلة شحادة في صباح ذلك اليوم ، بعد أن التحفت سماء دمشق على أصوات محركات الحافلات و الباعة الجوالين . أشار الأب لأسرته أن تلحق به،إلى حيث شاهد مرجاً أخضراً في الجانب الآخر مقابلاً لجسر فيكتوريا على نهر بردى، فحدثته نفسه بأن ذاك المكان لابد يحتوي على صنوبر ماء و خلوة لقضاء الحاجة !
جلس الأب و زوجه و الأبناء على المرجة الخضراء ، فقال شحادة مخاطباً زوجته :
– مدي حصيرة هاني و أنا رايح جيب فطور ، أبتاكلو فول يابيي ؟!
– مناكل ( رد الجميع )
غاب شحادة بعض الوقت ثم عاد فرحاً و قد أحضر الخبز المشروح الكبير مع صحن الفول ووضعه على الحصير و جلس متربعاً يفطر مع أحباب قلبه .. و ما أن انتهى من الفطور و انتهى الاولاد قال لزوجته :
-خدي هودي المصريات البقيو معي، بعد ما دفت اجرة البوسطة و حق الأكل
– لشو متعطيني ياهين خليين معك
– لا .. أنا رايح ع الدرك احكيلين كلشي و أنا زلمة بريء أكيد بيتركوني
– أنا خايفة ! و أيدها أولادها
– سمعوني يا بي المصاري ممكن تخلص و ما لاقي شغل و أبيصير نضل ننام متل الشحادين بالشارع .. لازم نرجع ع الضيعة إلنا بيت و سقف ، و بيرزق الله . رح روح ع المخفر سلم حالي و انتو تعو معي قعدو ع باب المخفر أحسن شي و لا تخافوا .
-16-
عاد الحج محمد إلى حمص حزيناً على مصير ابن أخيه ، و كان لسان حاله أن لاحول و لاقوة إلا بالله . كان يألم على هذا الشاب الذي عقد عليه آماله من بعده، و يأسف لأن سلوكه كان سيئاً ..
في دار العزاء حيث اجتمع الرجال، و بعد ان انتهى المقرئ من قراءة سورة ياسين، وقف رجل قال :
-ثار سري بيك دين علينا و هدول الفلاحين العلويية ….
هنا قاطعه الحج محمد :
-سكوت و قعود مطرحك، أنا صاحب دم ابن أخي ما حدا غيري، و أنا بعرف كيف آخدلو حقو .. لا تديرو الموضوع عصبيات طائفية عيب و هالشي ما بيرضي الله
– يا حجي ….. ( صاح نفس الرجل )
– بلا مقاطعة ما بسمح بقلة الذمة أنا و لا بالفتنة .. ابن اخي الله يرحمه و يغفرلو كان مشيو (غلا غلا) و محضورة ما بدي احكي .. الله يرحمه و بس ، و الي عندو كلمة منيحة يحكيها ، الي ما عندو المطرح الو يبيعنا ياه
قام الرجل الحانق من كرسية و غادر صيوان العزاء في الوقت الذي دخل فيه أحمد بيك العباس معزياً و أخذ الحج محمد بالحضن .
سلم أحمد بيك على الحضور جميعاً و دعوه للجلوس لكنه قبل أن يجلس قال :
-الفاتحة يا جماعة الخير على روح الفقيد ، ثم جلس .
-17 –
دخل النقيب محمد إلى الرستي حيث مضافة الشيخ صالح الخاصة، التي لا يستقبل فيها إلا الخاصة من جلسائه بعد عدة محاولات لاغتياله بالسم و بطرق أخرى .
-السلام عليكم
-وعليكم السلام أهلا يا محمد تعا قعود جنبي
– كيفك عمي طمن عنك
– الحمدلله .. ثم صاح بمحمود العلي قريبه أن يصب القهوة المرة و هو يقول بين المازح و المجد هاي قهوة محمود أفيها سم لا تخاف
– يا عمي انت بتعرف اني بشربها ببيتك لو فيها سم
– يا محمد العمل هلق ما نسمح بتقسيم البلد، سورية بخطر تقسيم فيه كم ناقص بعتو رسالة للمندوب السامي الفرنسي بدهن يرجعو دولة الساحل، و ينقضوا عهد الثورة ! و انت بتعرف الباقي
– سيدنا أنا جاي لنفس الموضوع ، بعتلك رسالة أكيد وصلتك، أنا صرت قائد حامة تلكلخ ، و حكي معي الكومندان مشان أخذ صف الانفصاليين ، و حضرت بتعرف أنو موقف الحامية أساسي يعني مجرد إعلان الحدود رسمياً يوم إعلان اتفاقية الجلاء .
– يخسى ( قالها الشيخ بصوت قوي )
– طبعاً يخسى و الي جاي خبرك ياه أنو طلب مني اعلان نفسي رئيس دولة علوية و قدم وعود كتير .. بس خسى
– الأمل فيك كبير يا محمد
يتبع