°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

المعرفة – وهم المعرفة . تمّام سُليمان .

ليست أفكار مرتبة ولكن رأيت من الضروري كتابتها في يوم عطلة لا أحظى كثيرا بمثله :

عندما قال ستيفن هوكينغ يوما ما ليس بالبعيد جدا أن أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل بل وهم المعرفة، لم يكن من ضمن نياته تسجيل عبارة توضع كستوريات أو بوستات بقدر ماكان مدركا لما يقوله نتيجة ما يشاهده ويلمسه وهو العارف.

وهم المعرفة حيث يتوهم الإنسان أنه يعرف كثيرا نتيجة لكونه يعرف معلومة صغيرة أو جزءا هامشيا من حقيقة، أو لكونه يركب جملتين بلغة غير لغته الأم ، أو يحل معادلة من الدرجة الأولى، يصيب أكثر ما يصيب المتعلمين دون سواهم تحديدا أنصاف المتعلمين، يصلح صبي الساحر في قصيدة غوته في قصيدته الشهيرة كمثال عن نصف المتعلم الذي يعتقد لكونه يعرف كيف تعمل المكنسة السحرية فهو يعرف كيف يوقفها وكيف يتعامل معها، ولكن ما إن تلوح الكارثة أمامه حتى يقوده وهمه لابتداع حل يجر عليه كارثة أكبر.

بتقديري هذه مشكلة سورية الكبيرة التي نعاني منها، وهم أننا نعرف.
قبل تسع سنوات ترداد هذا الكلام لم يكن مناسبا، فالناس وضمنا المثقفين من الطبيعي حسب ممدوح عدوان أن يكون صوتهم مبحوحا بعد طول صمت قسري، الآن وقد تمزقت سورية (مؤمن بان هذا التمزق لغير عودة) لم يعد من المجدي الاستمرار بالاعتقاد بأننا نعرف، يجب أن يكون هذا الكلام موجودا في كل رأس وأمام كل عين دون خجل.
يعتقد كثر أن ترداد عبارات تشير بالانفتاح أو ادعاء الغضب من سلوك متخلف هنا أو هناك ، أو رفع شعارات فضفاضة عن القيم الحياتية الكبرى كالحرية أو السلام أو التنوع كاف لوحده لوسم المرء بأنه يعرف، متناسين حجمنا كبلد ومساهمتنا الصفرية كأفراد ننتمي لهذا البلد في أي مجال مهما صغر أو مهما عظم في منتجات الحضارة المادية وحتى الروحية (هنا على حاكم مصرف سورية المركزي أن يعرف ماهي القيمة الغير حقيقية)…نتوهم أننا متمكنون من استيعاب هذه المنتجات الحضارية العظيمة فقط لكوننا نرددها باستمرار، أو نطالب بها أو نستخدمها. من الصعب اقناع الآخرين ممن تملكوا هذه المنتجات أو ولّدوها أو ساهموا بتطويرها أننا مثلهم على ذات السورية وبنفس القدر، بالتالي من الصعب أن يتم التعامل معنا كأنداد أو اشخاص مؤتمنين على إدارة بلدان.

زاد الطين بلة أن مثقفينا الكهول بغالبيتهم أبناء مدارس أيديولوجية بادت وانتهت ولم تعد تصلح لهذا الزمن، وعدا عن محدودية قدراتهم العقلية في استيعاب هذا التسارع العظيم للحضارة وللتطورات وللتعقيدات السياسية، هم يبسطون الأمور بصورة تزيد حجم الكارثة ( السياسة عمل معقد جدا حسب روبرت دال الذي يقول أن السياسة أكثر الأعمال تعقيدا وخطورتها الرئيسية تأتي عندما يأتي أحد ما لا يستطيع الاحاطة بها فيقوم بتبسيطها بصورة مخلّة تأتي بالكوارث على المجتمع. ) معتمدين في ترويج آرائهم على أمور لا علاقة لها بالواقع مثل سجنهم سنين طوال (وهذه تحسب ضدهم لا لهم بكليتهم ، من ينقطع عن العالم مهما تكن نبالته من الصعب عليه فهم العالم عندما يخرج ) على سبيل المثال. لن أنتهي لو وضعت أمثلة عما قالوه ويقولونه ويروجونه وينشرونه، وحتى لا يتحول الأمر للشخصنة حيث الهدف القول أن نمط التفكير لدينا يحتاج لتغيير ليس فقط تصحيح وتصويب او تجميل.

ولزيادة الوجع، لم يتمكن شبابنا وأنا منهم من هضم التطور السريع لهذه المنتجات لقلة تعليمنا وفقره وضحالته.
لكي ننتج ثقافة جديدة تنتشلنا من هذا الواقع يجب أن يتم انتاج أفكار جديدة ، و الأفكار الجديدة لا يمكن أن تأتي سوى بانتاج العلم لا بقراءة الكتب(يجب الكف عن تصوير ان قراءة الكتب عمل خارق )، لن تستطيع أن تفهم وتستوعب الكتب الفكرية والفلسفية مالم تكن تغوص في أغوار العلم التجريبي، نحن من ينتج العلم على ندرتهم مبتعدون عن أي شأن سياسي أو ثقافي، وهذه مسؤولية يتحلمونها ويلامون عليها ولا يمكن تبريره (هناك ملاحظة الطبقة العليا المتعلمة بغالبيتها الساحقة لم تلتحق بالثورة وهي واحدة من ثلاث فئات نوعية لا يمكن لثورة أن تنتصر دونهم ولهذا مدلولاته التي لا أذكر أن احدا ناقشها بتوسع لانها للأسف لا تهم أحدا).
زاد وضعنا كشباب سوءا متاجرة الدول بنا أو المنظمات أو كهولنا أو أحزابنا التي أدخلت الوهم لنا بأنه بكتابة مقالين أو ثلاثة بتنا نصلح للتنظير لقيم الحرية والعدالة وصوغ دساتير وقوانين ومناقشة أمور مابعد الحداثة ، كان هناك اعتقاد ومازال أن كورس لمدة عشرة أيام عن أي موضوع سيجعلك خبيرا ومختصا به مع كم كبير من اللايكات ستصبح عنصرا مؤثرا في المجتمع ….كل ماسبق عمّق وهم المعرفة لدينا و رسّخه حتى بات عصيا تخفيف آثاره السلبية.

ادراك وجود وهم المعرفة خطوة بسيطة على طريق حل مشاكلنا العظيمة الكبيرة التي تحتاج لقدرات معرفية جديدة وخبرات تخصصية جادة والابتعاد عن الشللية المدمرة السائدة، يجب أن تسود القناعة أن لاخجل في كون الجهل حالة طبيعية مع التركيز على التعليم، هناك شباب يحتاجون للمال لإكمال تعليهم العالي(في هذا الجيل لن نحقق شيئا مهما) ، استمرار انفاقه على ندوات وتلفزيونات وبرامج و أحزاب وولاءات يجب أن يتوقف، يجب أن نقتدي بمجموعة شباب أريتري بائس هنا في ألمانيا كونوا جمعية صغيرة لمساعدة شخص واحد منهم على استكمال دراسته الجامعية الأولى …

المصدر : تمّام سُليمان ، صفحة الفيسبوك الشخصية ل :

  • https://www.facebook.com/100007889898362/posts/2419986631607643/