-30-
وقف صالح أمام معمل البلاط القريب من قلعة حمص ، ثم دخل إلى المعمل فوجد رجلاً أربعينياً يضع برنيطة ( سلندر) أمريكية ، قال :
-مرحبا عمو
– أهلين
– عندك شغل
– اي عندي بتعرف تصب ع المكنة ؟
– بتعلم بسرعة
– يا فؤاد !
رد العامل من الداخل
– تعال .. انتي شو اسمك عمو ؟ ( يسأل صالحاً )
-صالح الأحمد
– فؤاد بدك تعلم صالح الشغل ع المكبس
– عمي صالح أول كام يوم مافي أجرة بدي شوف شغلك
– ماشي معلم
نظر المعلم إلى قبقاب صالح ، و قال :
-لا بالقبقاب ما بيمشي الحال ، بدك جزمة
– ما معي حقها
قال فؤاد :
-معلم أنا بعطيه جزمة كل ما اجا ع الشغل و بس يشتغل من يوميتو بيجيب لحالو جزمة
-مشي .. ليك أنا رايح لعند المعلم أنطون ، لا توقف شغل بدك تخلص ميتين بلاطة اليوم .
-حاضر معلم لا يهمك .. صالح تعا معي
و دخلا إلى المعمل ، حيث أعطى لصالح جزمة كاوتشوك قديمة ، فانتعلها بفرح بلا جراب .. قال فؤاد :
-انتي من الحارة ؟
-اي قريب بيتنا
-بالمدرسة ؟
-اي بس بدي بطل
– له له ليش ؟
– بدي ساعد أبي مريض ما بيقدر يشتغل
– ايوا .. الله يشفيه ، و مينو أبوك
– حامد الأحمد ، أبو صالح كان موظف بالنافعة ، مياوم و فصلوه لأن صار معه ربو !
– طبعا لأن مافي حقوق للعمال ، لا ان مرض الواحد لا ان جاع
-اي والله
– ليك صالح ، بدك تتعلم بسرعة و تقتح مخك معي
– حاضر معلم
– لا تؤلي معلم ، بيزعل المعلم .. أولي أبو سالم
– ماشي .
– شوف المكنة كيف بتشتغل
و أدار فؤاد مكنة الصب التي بدأت تهدر في المكان ، ثم لقمها الاسمنت و البحص و ضغط المكبس !
-31-
صعدت سيارة يوهان فان ديومن طريق جبل قاسيون حتى المحطة الأخيرة ، حيث يجلس الباعة في انتظار عشاق دمشق ، الرغبين برؤيتها من فوق، ربما لسرقة بعض الشعور بالعظمة لمدة عشر دقائق، أو للتغزل فيها و بجمالها الأخاذ أو حتى يهربوا من مشاكلهم مع زوجاتهم ، و يفضفضوا للشام .
ركن يوهان سيارته و نزل، نظر إلى الشام من فوق ، و قال في نفسه :
-لم أكن أظن أنني سأعشق هذه المدينة ، لا أعلم ما الذي يجذبني إليها ؟ صحيح أنني أشتاق آمسترادام ، لكني كلما سافرت أحن للشام . أوووه ما الذي سيحصل معك ياشام بعد أن يأتي حاكم مصر ليحكمك .. لقد قرر السوريون أن يلقوا بأحمالهم على بطل العروبة ، أو ربما قرروا إنهاء خلافاتهم بهذه الطريقة في هذا الوطن القلق . أكاد أجزم أن قلق الشام سببه نحن الاوروبيين فلقد قطعنا جسد الأم و تركناها دون أطفالها ، و هي تبحث عنهم .
ركب يوهان سيارته ثانية و سار بها إلى بيت السيدة شرباتي و قرع الباب ، فخرجت إليه هيام بنفسها ، و عندما رأته لمعت عيناها و قالت بلهفة :
-يوهان ؟!
– نعم هادا أنا بالشامي و هذا أنا بالفصحى
-32-
حمص 1958 م
أمام ساراي حمص الكبير و حيث تجمهر أهل المدينة ، وقف الرئيس جمال عبدالناصر خطيباً بعد توقيع ميثاق الوحدة الاندماجية بين مصر و سورية قائلا:
-أنا سعيد إني موجود هنا بينكم في مدينة حمص ، و كنت بسمع كتير عن طيبة و كرم أهل حمص ، و حاروح حماه كمان و ان شالله أزور كل محافظات الإقليم الشمالي .
كان صالح الأحمد من بين الجماهير الحاضرة لقاء الرئيس ، و كان يقف و معه دراجته الهوائية التي باتت صديقته الدائمة في حله و ترحاله . كان يسمع الرئيس بعقله و قلبه و ليس فقط بأذنيه .
قال ناصر :
-دولة الوحدة و نهضة دولة الوحدة ف ايدكم انتم ، ف ايدين الشباب العربي في العلم و الصناعة و الزراعة ، في التعليم في كل مجال . مافيش وقت نضيعه أبداً عشان الأمم مشيت قبلنا و سبقتنا ، و قدامنا طريق لازم نمشيه بالصبر و الايمان و الثقة بالنفس … أيوه أيها الإخوة العزيمة و الثقة بالنفس هو السلاح المطلوب علشان النهضة و التقدم .
عاش الشعب العربي في سورية الحبيبة
عاش شعب الحمهورية العربية المتحدة
و كان يتخلل الخطاب الهتاف و التصفيق و الحماسة .. ما عدا صالح فلقد كان يفكر بكلام الرئيس و هو عائد على البسكليت على طريق الشام ، كان يستعيد كل كلمة من كلمات جمال عبدالناصر .
فجأة سمع صياح رفيقه و ابن حارته خيرالله :
-صالح .. يا صالح
توقف و التفت للوراء
-أهلا وين كنت
– كنت عم أحضر الرئيس
– و أنا
– تعال بدي حكيك بشي
– قول
– هلق مين قتل عدنان المالكي برأيك ؟ معقول القوميين ؟
– هيك الحكي بس أنا بشك
– كيف
– شوف أنا عروبي و انت عروبي بس برأيي الي قتل أنطون سعادة هو المشروع المعادي للنهضة
– والله أول بعثي بيحكي هالحكي
– و خليني كون
– اي
– أنا بشوف اذا القوميين مشيوا و قدروا يا خدونا بطريقن لوحدة الشام بيسهلوا علينا الوحدة العربية ، يعني مافي تناقض
– ولك هس هلق بيسمعوك
– مين
– جماعة السراج و عبدو حكيم
– طز
– صالح
– و ألف طز .. ليك طلاع وراي أنا قررت أعمل من هالبسكليت طيارة
– شووووو ( يضحك)
– اي بتشوف .. متل الأخوين رايت بشو نحنا أقل منهن … قلي ؟
ركب خيرالله وراء صالح و انطلقت الدراجة .
-33-
كانت أم جبر تحمل حطباً على حمارها و تمشي خلفه و معها بعض النسوة ، حين تناهى إلى أسماعهن صوت طبل و زمر في الضيعة !
و ما إن وصلن إلى ساحة الضيعة حتى رأيت توفيق و الرجال و حلقة الدبكة و الطبل و الزمر .. فدخلت بينهم كالملسوعة ووصلت إلى توفيق و نظرت في عينيه نظرة أخافته و صاحت :
-توفيق شو هايا
– هايا … طبل .. و حسون ميدبك و نح نح … نا
– لشو مترقصو بالله
قال حسون :
-مشان عرسك انتي و توفيق
– نعااام عرسي .. (و خلعت نعلها و بدأت بضرب الكل يميناً و يساراً أما الطبال نفسه فلقد ألقفته حجراً على رأسه) … و لك توفيق هات الشيخ طلقني فوراً
– ليش .. حرام عليكي
– اسمعو يا أهل الضيعة ، هالإنسان الاسمو توفيق زوجي بشرع الله و بدي هلق يطلقني لأنو أولاً شارطتو أنو صورة المرحوم شحادة رح تضل بالبيت و رح تضل بقلبي لموت ، و عرس أفي .. و طبل و زمر أفي .. و أنا تجوزتو لأن ولادي ضغطو عليي مشان ما ضل وحيدة بالبيت .. بس
صاح توفيق :
– أميرة … لهون و بس كلشي قلته صحيح و شحادة بقلبي أنا كمان و هو شهيد الضيعة و شهيد المظلومين ، بس لا تسبيني أوعاكي .. اذا بتطلع منك كلمة بعملها ها
سكتت أم جبر و مشت باتجاه البيت و لحق بها زوجها .
-34-
جلس صالح و من حوله مجموعة من رفاق الشباب و هو يحمل كتاباً عن فن الطيران ، و كان في الكتاب صور و مخططات تشرح كيفية صناعة الطائرة الشراعية ! .. قلب صفحات الكتاب فوصل إلى تجربة الأخوين رايت فقرأ بصوت عال :
– أورفيل رايت كان يشتغل صانع وميكانيكي وفني للدراجات الهوائية ، و أنا فني ميكانيكي , أبدى الأخوان رايت اهتماماً بالطيران منذ نعومة اظافرهم ، و أنا كذلك طول عمري بحلم بالطيران … معززين بالخبرة الممتازة في مجال الميكانيك والإطلاع على العلوم التطبيقية. بدأ الاخوان رايت يعدون العدة بخطى ثابتة وبالكثير من التصميم والمثابرة لتحقيق الغاية التي كانوا ينشدون اليها وهي الإرتفاع في الهواء بجسم ذو أجنحة تكون فيه قوة الرفع مستمدة من محرك, وهي أولى المحاولات التي كانت تعتمد على جسم أثقل من الهواء .
ثم أمسك بدفتره و بدأ يرسم الاجنحة و المحرك و الذيل …. صاح رفيقه سليمان:
-صرعتنا ولو
-صرعتك ؟
-اي
– اي قوم فل مين ماسكك .. قالها ثم نهض و هو يحمل دفتره و كتابه و مشى بضع خطوات مفكراً و في عينيه سعادة و تصميم .
-35-
كان الرائد الشرطي أحمد يقرأ الصحف اللبنانية التي تتحدث عن اختفاء أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو في الشام . كتبت النهار :
(من المؤكد كما تقول أخت الأستاذ فرج الله و والدته أنه عبر الحدود السورية و لكن باسم ( عساف منصور) ، و لم تكن هي المرة الأولى التي يدخل فيها فرج الأراضي السورية ، من أجل متابعة العمل الحزبي التنظيمي في الشام ، باعتبار أن الحزب الشيوعي في كلا البلدين واحد ، و أن فرج هو المسؤول بغياب خالد بكداش في موسكو . أين فرج الله الحلو إذن ؟ هل تبخر في الجو ؟ هل ضاع في بادية الشام ؟ هذه أسئلة على السلطات في القاهرة و دمشق أن تجيب عليها ، فهو مواطن لبناني، و علينا جميعاً الدفاع عن حقوق مواطنينا ، و على الحكومة اللبنانية القيام بواجبها … )
هنا دخل على أحمد رئيسه المقدم عبدو و سـأله :
-شو عم تقرا
-تفضل سيدي
-شو هاد ؟ النهار
– اي نعم عم يحكوا عن فرج الله الحلو ، و أنو دخل ع الشام باسم عساف منصور و اختفى
-اي و شو رأيك انت ؟
– لا هيك مواضيع مانا مواضيع رأي .. أنا عم حاول بالحس البوليسي فكر شو صار مع الزلمة
– يا أحمد بلالك هالقصة .. سيادة العقيد السراج صرح أنو ما دخل لا فرج الله مدري شو و لا عساف بطيخ ع سورية .. و نحنا منلتزم
– ( بعد لحظة تفكير ) طبعاً سيدي
– اليوم انت المناوب بالادارة ، الاعتماد على الله و عليك … سلام
– ( مؤدياً التحية ) سلام سيدي
خرج المقدم من الغرفة … فتمتم أحمد :
-يقطع عمرك … أنت و عبدالحميد السراج !
-36-
وصل توفيق و زوجته أميرة إلى حارة عكرمة المجاورة لحارة الخضر في حمص، و مشيا باتجاه بيت ابن عمه أبو صالح … و ما إن وصلا حتى رأيا صالح و قد صنع هيكل طائرة حقيقية في صحن الدار، فأذهلهما المشهد و صاحا معاً :
-شو هاد يا صالح طيارة ؟
– اي طيارة تفضلوا
– و نزلا إلى البيت المنخفض عن الأرض مصافحين الشاب ابن الثامنة عشرة و بدآ بتلمس جسد الطائرة المعدني و جناحيها … و قام توفيق بتحقيق كامل مع صالح :
-كيف عملتا يا عمي ؟
– شو الانكليز أحسن منا .. لشو أبعملا
– بشرفي انت عبقري
– فوتو فوتو بي و امي برا هلق بيجو و أنا دياتي وسخين ، قعدو انتو ببيتكين
كان صالح قد جمع من محلات الخردة وورش الميكانيك الكثير من الأدوات اللازمة لعمله دون أن يدفع فلساً واحداً .. فلم يكن أحد يعلم أن هذه الأدوات ستتجمع في طائرة ، إلا أن بعض الأدوات أجبر على دفع ثمنها بالطبع .
كان يعمل و كان الفضوليون من حارة عكرمة و من حارات حمص الاخرى يأتون للتفرج عليه فصار اسمه ( صالح أبو الطيارة ) .
-37-
في بيت هيام أنهى المدعوون جلستهم الثقافية و غادروا إلا فان ديومان، فلقد استبقته هيام على الغداء ..
-بظن صار مستحيل يمددولك بالسفارة أكثر من هيك فان
-صحيح و لازم ارجع على هولندة و لازم تجي معي
– إجي معك ؟! كيف
– أنا بعرف أنو بالمجتمع السوري في عادات تانية ، بس أنا ما بعرفها كويس ، أنا بحبك هيام ، أنا عم مدد شغلي هون كرمال ضل شوفك ، هاي الحقيقة .. صيري زوجتي .
– فان و أنا عندي شعور دافي تجاهك ، بحس بسعادة لما بشوفك، بس ما في اترك الشام بموت ، المرة الماضية عشت بي فرانسا معاد عيدها ، الشام زينة الدني !
– يعني لازم اترك عملي
– لا معقول تترك عملك ، أكيد رح يكون منصبك القادم سفير حرام !
– انتي عندي أغلى
– و مستعد تشهد الشهادتين و تصير مسلم
– أنا أصلا شهدت الشهادتين من سنة يا هيام
-38-
رفع أحمد سماعة الهاتف و اتصل بأخيه العقيد علي :
-احترامي سيدي
-احترامك وصل
-مشغول
– لا هلق استراحتي ، كيفك
– انا بخير انت كيفك و كيف الشلافين الصغار
– الحمدلله ميتشيطنو
– خلهين خليهن ، هيك أحسن .. سمعت غنية فيروز الجديدة ؟
– بربك أنا فاضي اسمع أغاني .. انا بسمع صوت الدبابة من الصبح للمسا
– والله كتير هيك سيدي
– شو هي الغنية هات تشوف
– سائليني، حينَ عطّرْتُ السّلامْ، كيفَ غارَ الوردُ واعتلَّ الخُزامْ
وأنا لو رُحْتُ أستَرْضي الشَّذا لانثـنى لُبنانُ عِطْـراً يا شَـآمْ
ضفّتاكِ ارتاحَتا في خاطِـري و احتمى طيرُكِ في الظّنِّ وَحَامْ
نُقلةٌ في الـزَّهـرِ أم عندَلَـةٌ أنـتِ في الصَّحوِ وتصفيقُ يَمَامْ
أنا إن أودعْتُ شِعْـري سَكرَةً كنتِ أنتِ السَّكبَ أو كُنتِ المُدامْ
ردَّ لي من صَبوتي يا بَـرَدَى ذِكـرَياتٍ زُرْنَ في ليَّا قَــوَامْ
ليلةَ ارتـاحَ لنا الحَـورُ فلا غُصـنٌ إلا شَـجٍ أو مُسـتهامْ
– رائعة القصيدة لمين ؟
– للملك
– سعيد عقل
– اي طبعاً
– اليوم رح اشتري الشريط .
– على فكرة عندي حكي بس بالبيت
– اي تعا اليوم
– طيب الشريط هدية مني
– مقبول يا عمي
-39-
وقف الفضوليون خلف جدار بيت صالح الأحمد الذي يرسم حد حوش الدار و يفصله عن الخارج، و هم يريدون أن يتفرجوا على الطيارة! كان العدد هذه المرة كبيراً، فلم يتوقع صالح و لا أبوه أن يبلغ فضول أهل حمص هذا المبلغ .
-صالح الله يخليك بدنا نشوف الطيارة
-صالح ايمت بدك تطير فيها ( ضحك)
أحدهم يرمي حجراً صغيراً و يبدأ الضحك
– قال أومك بياعة شنينية ، شو بدك تحط شنينة بدل البانزين لتطير طيارتك !
فجأة صاح رجل بالمراهقين الفضوليين:
-ولاك حيوان انت وياه ولا
فهربوا من أمام البيت .. و كان الداخل صديق صالح القوي ذي العضلات المفتولة نجم .
-كيفك صالح لشو ما بتقلعن، كل هاشي من صوت العرب
-لا عادي جداً .. عبر التاريخ كان كل مخترع يحصل معه نفس الشي، سمعت صوت العرب ( شاب عربي مخترع من الاقليم الشمالي يصنع طائرة بمحرك واحد).
– مخترع ولا اخترعجي
– متل ما بدك … تعال مسوك معي العزقة بدي شد البراغي من هون و حاج تتفلسف، صار عندي مشكلة كبيرة بعد اذاعة الخبر بصوت العرب .
-شو هي
– معاد من حقي افشل هاد واحد
-اي و تنين
– هاد البيت رح يصير فرجة و أبي و أمي رح يجنو ، عنا بس هالغرفة و معلومك لا امي و لا اختي فيهن بقا يطلعوا متل الناس ع الحوش .
– اي والله ، مشكلة كبيرة بس جاي بطلب بيجوز يساعدك بالحل
– بالله .. هات لشف
– بتجوزني اختك
– اذا هي بتقبل فيك بس
– طيب معليش اسألها ؟
– إي .. طبعا ( وصاح ) نجود يا نجود
– إي خي
– تعي شوي
– اي
– هالدب رفيقي بدو يطلب ايديك هوي عقلو يابس بس كدع
خجلت نجود و احمرت وجنتاها و قالت :
– بيحضي أفيك عقل
– أنا هههه ليش ؟
– هلق هيك بتصير هالأمور ؟
– لك الدنيا تطورت خلصونا .. بتقبلي فيه لخليه يحكي بيك
– أبعرف
-ولا نجم .. روج جيب امك و تعا .. بعرف أفيك تجيب أبوك لأنو ميت .. ولا قلك حاول تجيبو
– يخرب فنارك
-40-
كان زكوان حديد يتدرب على رفع الأثقال و يوجه تعليماته للمدرب الشاب الذي تولى تدريب عدد من الصغار على الجودو .
-أقوى أقوى يا نبيل
– أقوى
– أي من تحت من تحت .. عفارم عليك بطل
ثم مشى زكوان إلى الداخل حيث هناك غرفة في صدر الصالة، فتح الباب و سلم على مجموعة الشباب الجالسين يتدربون على تركيب السلاح ، و قد ظهرت مجموعة من الأسلحة في الغرفة .
– كيف الحال
– الحمدلله .. الشباب ممتازين
– اللهم لك الحمد
و التفت إلى نجدت أبو سختور
-شو أبو سختور ، و ين السختورة اليوم ( يضحك)
– حاضرة شيخي حاضرة
– اي جعنا
– يا الله ها رايح جيبا و اجي
– موفق روح معه ما بيقدر لحالو يشيل
– حاضر شيخي
– اللهم انصرنا على القوم الظالمين يا الله
-41-
جلس الرائد أحمد في بيته متأثراً يقرأ قصة قتل فرج الله الحلو و ملابسات الخيانة التي تعرض لها و سلوك عبدالحميد السراج ..
-أوووف ياااه قتلة ظلام
مشى قليلاً في غرفته و نفث سيجارة من علبته ثم قرر البحث عن إذاعة لبنان و معرفة أخبار أكثر عن الموضوع ، و استطاع بالفعل أن يلتقط إشارة ضعيفة، كان المذيع يقول :
-برغم نكران عبدالحميد السراج جملة و تفصيلاً دخول فرج الله الحلو إلى سورية تحت اسم عساف منصور إلا أن كل الدلائل تشير بأن الحلو غادر لبنان متوجهاً إلى سورية، و تقول المعلومات الأولية أنه قد تمت تصفيته في أقبية المخابرات، راديو لبنان يتقدم لأهل الضحية بالتعازي الحارة ، و لمجموع الشعب اللبناني و يقدم قصيدة كان قد نظمها فرج الله الحلو و غنتها فيروز، و كأنه كان يدرك أن دياب الغابات ناطرة بشي مطرح عتم .
فيروز نحنا و دياب الغابات ربينا
و تصدح الأغنية :
نحنا و دياب الغابات ربينا
بالليل الداجي العتمات مشينا
للغابة ليالينا للريح غنانينا
هيك هيك نحنا هيك ربينا
للحب مننشد نغمتنا للغادات
سيري يا بنية لخيمتنا غدويات
تتهني بديرتنا و بتغني لعشرتنا
و بتطبلك رفقتنا و بتحيينا
يا زينات يا زينات لي في الربع بنية
إلها عيون فتانات ولواحظ سحرية
يا ولهان في الغابات هالحلوة الحورية
هي هون في الحنوات عند سواق الميا
دقوا الألحان بجيرتنا يا شبان
و خضرا ترقص على نغمتنا و الألحان
لعيونك يا خضرا يا حلوة يا سمرا
طير الغابة الخضرا بيناجينا
كان أحمد يبكي و هو يسمع الأغنية و ينظر إلى ثيابه حيث الرتب .
-42-
كان الضابط علي جالساً مع عدد من زملائه في مكتب عسكري ، و كان بين الحاضرين ضباط مصريين من الجيش الثاني . وكان الحوار حول مستقبل الوحدة و أهمية طبع عملة مشتركة، لكن أحد الضباط المصريين غير الحديث و سأل سؤالاً مباشراً لعلي :
-إلا أولي يا سيادة العقيد هما العلويين مش مسلمين ؟
– طبعا مسلمين
– أومال ليه بيقولوا عنوكو انكم مش مسلمين
– ليش يا سيادة العقيد المسلم كيف منعرفوا ؟
-شهادة الشهادتين
– و العلويين يشهدون الشهادتين، في كل يوم يشهد المؤمن العلوي في صلاته بأن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله، في اختلافات حصلت بين المذاهب الاسلامية و هذا شي مؤسف.
– طيب ايه سر عشق العسكرية عند العلويين ده كلكلو ظباط يا أخي ؟
– عدة عوامل .. خود عندك
أولاً: البدلة العسكرية عز و حصانة من أي اعتداء أو ظلم
ثانياً: الفقر، و العسكرية بتعطي مرتب من أول يوم حتى و أنت طالب
ثالثاً : العلويين أهل جبل و ريف مش تجار ما عندهم حلم التمتع بالثروة و السياحة و متع صرف المال ، بالتالي أبناء التجار ما عندهم مشكلة يتركوا الجيش لأبناء الفلاحين، و لعلمك أغلب الجيش الأول ضباطه فلاحين بالأصل و مش ضروري علويين ! .
– تعرف يا أخ علي أنتا أول واحد يشرحلي الموضوع بالعلمية دي
– شكراً .. بس لازم تعرف اني خايف ع الوحدة يا عبدالخالق
– من ايه لا سمح الله
– الوحدة كان لازم تترسخ بأشياء كتير تأخر فعلها
– زي ايه
– حرية أكثر و توحيد العملة ، و أظن قرار حل الأحزاب كان غلط، الأحزاب هي الي طالبت بالوحدة و هي الي رح تحميها
– معاك حق، انتا لازم تروح مصر، و أنا ها اكتب تقرير أوصي فيك
– ليش
– انتا مثقف جداً و أظن القيادة هناك هاتسمع منك
قال علي بغضب :
-ليش عند اخوانا المصريين نوع من التصرف الأبوي ؟
– ما فهمتش
– ليه عندك شعور إنك وصي ، أنا لو بدي روح مصر كنت طلبت اروح مصر.
-43-
توقفت سيارة جيب عسكرية قرب بيت أبو صالح و نزل منها ضابط طيار مصري ، و سائقه حيث بدأ السائق يسأل عن صالح .
-أهلا و سهلا
– حضرتك صالح الأحمد
– ايوه أنا
– أنا الرائد محجوب متولي من سلاح الطيران ، و أنا هنا بناء على الرسالة بتاعتك
– أهلا و سهلاً
– عندك رسومات الطيارة ؟
– ايوا
و أحضر صالح دفتراً عادياً ( أبو المية ) ممتلئاً بالملاحظات و الرسومات بخط يده .. فنظر إليها الضابط بقلة احترام ، و سحب ( متراً للقياس) من جيبه و بدأ يقيس أبعاد الطائرة و يسجل ملاحظات في دفتره .
-دا انتا عاملها بالميلي
– طبعاً و إلا بتوقع الطيارة
– بالزبط
و استمر الضابط بالمعاينة و كتابة الملاحظات بينما كان السائق السوري يتحدث مع صالح .. فصاح به معلمه :
-انتا بتعمل ايه .. روح اجلس في الجيب فوراً
– حاضر سيدي
قال صالح :
– ما عمل شي غلط
– سيبو دا اسمه الياس، دا أوبطي .
– ( صمت صالح و هو ينظر للضابط المصري )
– طيب هانشوف .. بعد كم يوم ها نبعتلك تيجي الشام .. انت طلبك ايه ؟
– أنا بدي ورشة كبيرة و ابدأ نواة صناعة طيران لدولة الوحدة .
نظر إليه الضابط و هو يضحك ثم كتب بعض الملاحظات على دفتره و ركب سيارته و انطلق .
-44-
في منزل السيدة شرباتي جلس النائب السابق عبداللطيف اليونس يشرب قهوته متحدثاً لصاحبة البيت..
-شايفة ست هيام كان نشاط الصالون الثقافي بي بيتك أكبر قبل الوحدة
– إي عم يصير مضايقات و في اعتقاد من المكتب التاني ان هاد نشاط حزبي
– الأسلوب الأمني رح يدمر الوحدة
– هيك رأيك
– طبعاً التذمر كبير عند الضباط الشوام و عند الناس عموماً
– شو حكاية الضباط الشوام ، وضباط حوران ، وضباط الساحل … حالة خطرة
– طبعاً حالة خطرة، بس هيك طبيعة مجتمعنا، لو ضلت الأحزاب ما وصلنا لهون !
– الي بيحل هالاختلافات هي سياسات الدول ، الثقافية و الاقتصادية … الخ
– والله يا ست هيام لازم تشتغلي سياسة
– لا دخيلك ، شفنا شو صار فيك من يوم كنت مع الشيخ صالح الله يرحمه
– رحمة الله عليه كان قديس … على فكرة في شب علوي من حمص فهمت أنو قريبك صنع طيارة ، و بعتلي رسالة
– طيارة جد ؟ شو اسمه
– اسمه صالح .. صالح الأحمد هو قريب عمك توفيق
– خبر حلو … طيارة روعة لازم روح شوفو
– الشب فقير كتير و بعتلي رسالة لدافع عنو و عن مشروعه عم يضايقوه كتير
– كيف عم يضايقوه
– هو كان بعثي قبل حل الحزب و اعتقلوا عبدو حكيم رئيس المخابرات بحمص على أساس أن كل شغلة الطيارة دعاية لحزب البعث
– أووووف معقول
– تخيلي
-45-
كان ( زوزو) يجلس في أحد مطاعم دمشق مع ثلة من الضباط السوريين و المصريين السكارى . وكان يسليهم و يلقي النكات ، فسأله أحدهم :
-زوز أنا فهمت إنك من بيروت
– ( بدلع) أنا بيّ لبنيني و إمي سورية
– إيوه و عايش هنا في الشام
– لأ عايش بي بيتي
– ايوه بيتك في الشام
– أيوه
– هات نكتة يا زوزو ؟
– واحد من حمص راح ع الحج و رجع من نص الطريق لأنو تذكر انو مسيحي بنص الطريق
– ضحك … لا عاوزين نكتة غميئة ؟
– في واحد عريس جديد مش عارف ينام مع عروستو ، راح سأل بيو كيف الواحاد بينام مع عروستو ، اجا بيو قلو تعال امسكلي هالضو تاشوف ( الضو يعني البطارية لأن عتم ) .. مسكلو الضو و و نده لأمو و عمل قدامو تجربة عملية ..
تاني يوم كمان ما عرف كيف ينام مع عروستو .. اجا بيو سألو ليه ما عرفت ولاه ؟ قلو ما لقيت حدن يمسكلي الضو
– ضحك شديد .. والله انتا حاجة عظيمة يا زوز
– انتا اعظم يا فندم
-46 –
كانت هيام تقود سيارتها إلى حمص و بجانبها يوهان فان ديومان، و في المقعد الخلفي جلس النائب السابق عبداللطيف اليونس، و كان الحديث عن عبقرية صالح لا يتوقف .
– الشب عصامي جداً ، اشتغل على مكبس بلاط و خلى المكبس ينتج ضعف الانتاج ، خلاه أسرع عندو عقل صناعي ! كانت مكافأته بسكليت من صاحب المعمل .. هاي البسكليت طار فيها متل الاخوين رايت أول مرة ، بعدين قرر يعمل الطيارة ، و خلى بيو يبيع نص أرض الدار مشان يشتري متور للطيارة.
– معقول شو دراسته ؟
– عم يدرس حر ترك المدرسة أخد الابتدائي و الكفاءة حر و ناطر البكالوريا
– و الدولة ما ساعدته ؟
– اجا لعندو ضابط مصري طيار و دعوه لزيارة آمرية الطيران، و كانوا بقمة الغباء معو ، و أصدروا أمر بضرورة فكفكة الطيارة و ما ساعدوه ، و لهيك بعتلي رسالة ، هلق بيكون عم يفكفك الطيارة .
وصلت السيارة إلى حيث منزل صالح الأحمد، توقفت قرب شاب جالس على كرسي منخفض بين ما يشبه ورشة الخردة الكبيرة ، كان يبكي !
نزلت هيام و عبداللطيف و اتجها نحو صالح مسلمين و قبل أن يبدأ الحديث جاء نجم صهر صالح يصيح :
-صالح صالح صار انقلاب بالشام ضد الوحدة
صاح صالح بكل قوة :
-لاااااا
نهاية الجزء الثاني
ملاحظة : أي تشابه أو تطابق في الأسماء مع الواقع جاء بمحض الصدفة ، و الأحداث التي تجري صنعها الكاتب بناء على الواقع و محاكاة له ، إنما الأسماء لا تعني أبداً انها حقيقية .